ماذا عن اليوم التالي لغزّة إنسانياً؟

01 ديسمبر 2023

فلسطينية تنتظر جفاف الملابس في دير البلح وسط قطاع غزّة (30/11/2023/الأناضول)

+ الخط -

منحت أيام الهدنة التي عاشها قطاع غزّة الأهالي طوال أسبوع فرصة لمحاولة النجاة. صحيحٌ أن آلة القتل الإسرائيلية توقّفت مؤقّتاً، لكنها لم تعن، في أي لحظة، انتهاء المعاناة. توثّق شهادات الأهالي حجم الكارثة الإنسانية التي تفيد الوقائع على الأرض بأنها ستدوم أشهرا طويلة، بغضّ النظر عمّا إذا كان الوسطاء سينجحون في التوصّل إلى وقف دائم للنار أو حتى تكرار الهدنة على فتراتٍ متقطّعة يتخلّله مضيّ الاحتلال في عدوانه.

تبدلّت معالم قطاع غزّة. يفوق حجم الدمار جميع ما تسبّبت به الحروب السابقة. وإذا كان الاحتلال، ومعه الإدارة الأميركية وبعض العرب، ينشغلون في عصر أدمغتهم وأفكارهم لرسم سيناريوهات بشأن اليوم التالي للحرب سياسياً وعسكرياً، فإن الشأن الإنساني هو ما يشغل سكان غزّة اليوم التالي. أصبح شمال القطاع عملياً غير قابل للسكن. يصفه بعضهم بأنه أشبه بموقف للسيارات أي لا أبنية ولا منازل ولا مدارس ولا مستشفيات ولا أي بنى تحتية فيه، بعدما عمد الاحتلال إلى تنفيذ الحملة الحضرية الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب توصيف الأمم المتحدة نفسها. وهذا يعني أن توقّف الحرب لن يترجم عودة للأهالي إلى أحيائهم وشوارعهم، بعدما تحوّلت إلى أنقاض. وتصوّر أن إعادة الإعمار ستكون سريعة يعدّ ضرباً من الخيال، أخذاً بعين الاعتبار حقائق عدّة، أهمها أن عمليةً كهذه لن تبدأ وتأخذ منحىً عاجلاً ما لم يكن هناك تسوية أو توافق على طبيعة المرحلة المقبلة وشكل الحكم في القطاع ودور "حماس" ومدى تناسبه مع رؤية الاحتلال.

أما في الجنوب، فصحيحٌ أن وتيرة القصف والتدمير كانت أقلّ، لكن وضع من لجأوا إلى هذه البقعة من القطاع أقلّ ما يمكن وصفه بالمأساوي. يعيش الأهالي على القلة. قلة الغذاء والمياه وحتى الحمّامات. يتكدّسون في مدارس الإيواء في ظروف إنسانية وصحية كارثية. يضطرّون للانتظار ساعات للحصول على الأرغفة ودخول الحمّامات. أما الاستحمام فلم يعد في المتناول. التحذير الذي أطلقه برنامج الأغذية العالمي من خطر المجاعة في القطاع أو التنبيه الذي رفعته منظمة الصحة العالمية بشأن احتمال أن عدداً أكبر من الناس سيموت بسبب الأمراض مقارنة بالقصف إذا لم تجر إعادة بناء النظام الصحي يختصر ما يواجهه الأهالي.

يتحمّل الاحتلال مسؤولية هذه الجريمة. كل عدوانه الذي اتخذ طابعاً انتقامياً وإجرامياً، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يصبّ في إبادة سكان القطاع. ولا يبدو أن ثمّة أي رادع له. وحتى ما تردّد عن أن الرئيس الأميركي جو بايدن حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من أنه لا يمكن تكرار ما جرى شمال غزّة في جنوب القطاع، وأن الأخير وافق على طلب بايدن إجراء نقاش أميركي إسرائيلي لخطط عمليات جنوب غزّة قبل أي هجوم، فذلك لن يحمي الأهالي.

منذ بداية العدوان، كلما ارتكب جيش الاحتلال مجزرة أو جريمة، خرج بايدن ليبرّئه ويتبنّى وجهة نظره. وبطبيعة الحال، لا تأخذ إسرائيل في حساباتها القانون الدولي، أو أنها قد تلاحَق بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة، فهي أكثر من يدرك العجز عن محاسبتها.

من يريد مساعدة أهالي غزّة وإحباط كل ما يحكى عن مخطّطات تهجير أو تقليل الكثافة السكانية، عليه أولاً مساندة القطاع للصمود بوجه الموت. وأقلّ ما يمكن فعله كسر الحصار الإسرائيلي على غزّة. لم يعد مفهوماً حجم العجز العربي والإسلامي وحتى الدولي عن تزويد غزّة بما تحتاجه من مساعدات. سياسة تقطير المساعدات هي خضوع للاحتلال ومساندة له على تحقيق أهدافه في أقلّ تقدير إن لم تكن اشتراكاً في جريمته، بغض النظر عن كل الذرائع التي تُساق.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.