ليت مولانا رفض
ليس السؤال هل يستحق الشيخ العلامة المفكر، أحد حرّاس اللغة العربية والفكر الإسلامي البواسل، الدكتور حسن الشافعي، الجائزة التي تمنحها السعودية باسم الملك فيصل العالمية سنويًا.. بل السؤال هو: هل تستحق الجائزة ومانحوها اسم الدكتور حسن الشافعي؟.
الدكتور حسن الشافعي، هو ذلك الشيخ الجليل العالم الثائر الذي أعلن إدانته التاريخية مذابح 2013 في مصر، مطلقًا صيحته المدوية ضد سافكي الدماء، إيذانًا بالتخلّي عن منصبه الرفيع، نائبًا لشيخ الأزهر ومستشارًا له، ومعرّضًا نفسه لموجات الحرب آتية من الانتقام المنحط، عقابًا له على موقفه الثوري، المنحاز للحق، والمدافع عن كرامة الإنسان.
تلك المذابح، كانت برعاية مالية وسياسية وإعلامية من محرّكي الانقلاب العسكري، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، اللتين كانتا تدعمان الانقلاب بمذابحه وجرائمه ضد الإنسانية، كما لو كان قضية مصير بالنسبة لهما، فيما بقي حسن الشافعي، وكل من شاركه الموقف الأخلاقي والإنساني والثوري هدفًا للانتقام البذيء والتشويه والطعن، حتى وصل بهم الأمر إلى وضع كل رافضي إراقة الدماء ومعارضي الانقلاب ضمن قوائمهم للإرهاب.
مثلًا، العلامة الشيخ، دكتور يوسف القرضاوي، الحاصل على الجائزة السعودية (الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية) عام 1994، وكذا (جائزة دبي الدولية لخدمة القرآن الكريم) كأبرز شخصية إسلامية في العام 2000 وجد نفسه بعد ذلك بسنوات متصدّرًا قوائم الإرهابيين الصادرة من الدولتين، السعودية والإمارات.
كل من عبّر عن موقف رافض للانقلاب الدموي في مصر تعرض لحملات من التصفية المعنوية، بل والجسدية، على يد الدولتين، ومن هؤلاء الشهيد جمال خاشقجي، المقتول في جريمة القنصلية السعودية باسطنبول.
الانتقام من الدكتور حسن الشافعي اتخذ أشكالًا متباينة، من الصغار والخسّة، حين تربّصت الشرطة المصرية بنائب شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية في مطار القاهرة، حين أنزلته وزوجته المريضة من فوق عربةٍ لنقل المرضى، من غير احترام لمقامه العلمي، أو تقدير لسنوات عمره التي تجاوزت الثمانين في ذلك الوقت، قبل أكثر من خمس سنوات.
ثم كان انتقام آخر من الرجل، حين اغتالت السلطة في مصر حقه في رئاسة مجمع اللغة العربية، بعد فوزه على مرشّح النظام، الدكتور صلاح فضل، بفارق هائل من الأصوات، في الانتخابات التي جرت قبل عامين، ليتم الانقلاب الغشوم على النتائج وفرض صلاح فضل رئيسًا للمجمع بالقوة والبطش والقهر.
المفارقة هنا أن صلاح فضل الذي أخذ مكان حسن الشافعي غصبًا وتزويرًا وإهدارًا للقيم العلمية والديمقراطية المحترمة ارتبط اسمه دائمًا بالجوائز العلمية والثقافية التي يمنحها المستبدون العرب. كان في العام 2009 محتسب جائزة معمر القذافي الأدبية التي رفضها الأديب العالمي الإسباني، خوان غويتسولو، كونها تتعارض مع احترامه ذاته وإنسانيته وقيم الحرية والديمقراطية، فما كان من فضل إلا أن استعان بصديقه جابر عصفور، الذي رحل قبل أيام، لكي يحصل على الجائزة، ذات المائتي ألف دولار، التي تعفّف عنها الأديب الإسباني، فتلقاها جابر في حبور وسرور، قبل أن يعود بعد عامين، ومع رياح الربيع العربي التي فتحت كل الملفات المسكوت عنها، ليقول إنه لم يعد بحاجة لها، لكنه يجد مشكلة في ردّ قيمتها المالية لأن مانحها مات.
كل هذه الاعتبارات جعلت إعلان الدكتور حسن الشافعي، وقد تجاوز التسعين من عمره، خبرًا غير سار، وغير جدير بالاحتفاء بالنسبة لي، إدراكًا بأن الرجل جدير بهذه الجوائز، وبكل جوائز العالم، لكن هل هذا النوع من الجوائز جدير باسم الشافعي؟. هذا هو السؤال المطروح على الذين احتفلوا بفوز الجائزة السعودية باسم هذا العالم الجليل، والذين ندّدوا، في وقت سابق، وأنا معهم في ذلك، بقبول الراحل جابر عصفور جائزة معمر القذافي في 2009. أقول ذلك وأنا الذي كتبت في حسن الشافعي بعد مذابح انقلاب 2013 أن عمامة هذا الشيخ النحيل أكثر حداثة وعصرية من أولئك الفاشيين المختبئين فى رابطات العنق الأنيقة والمفردات الإنجليزية. وخطاب هذا العالم الجليل الأزهرى أكثر اتساقا مع مبادئ الديمقراطية وقيم الدولة المدنية الحديثة من خطاب رموز ليبرالية البيادة وديمقراطية المدرعة. وأعلنت وقتها، ومازلت أعلن، أن هذا الشيخ شيخى وإمامى الأكبر ومرجعيتى الدينية والإنسانية فى زمن العمائم المعسكرة والثورية المجنزرة.
لكل ما سبق، أقولها الآن بملء الفم: ليته رفض منح اسمه للجائزة، ذلك أن هذا الشيخ هو الجائزة الكبرى، في زمنٍ باتت فيه الجوائز معفرة بغبار السياسة.