لماذا يرقد حمدين على بيض غيره؟

27 مارس 2016

يعيد حمدين صباحي تسويق بضاعته (Getty)

+ الخط -

نسأل مرة أخرى: لماذا لا يريد حمدين صباحي الخروج من وهم زعامة مدنية، لا وجود لها إلا في رأسه المحشو ببقايا ملابس جنرالات معتزلين؟

يصر حمدين على أنه لا يزال الثورة، أو جزءاً منها، بينما الوقائع تقول إنه، منذ أن أصابته لوثة الحصول على المركز الثالث في انتخابات الرئاسة، قرّر أن ينتقم من هذه الثورة الشريرة التي جاءت بمرشح "الإخوان المسلمين" إلى الحكم، ليتحوّل، في ما بعد، إلى مورّد أنفار للثورة المضادة، ثم يلعب دور الدوبلير أمام الجنرال السيسي، قائد الانقلاب، الذي قال عنه صباحي في يوم من الأيام "سيسي أو سيدي".

يعيد حمدين صباحي تسويق بضاعته التي لم يشترها أحد، لدى طرحها أول مرة، فيصطحب شلّته الجديدة إلى مؤتمر جماهيري، حاشد بالفكاهة، في محافظة الدقهلية، يعلن فيه الدعوة إلى بديله الثالث "التنظيم المدني" له 3 دوائر (حزب وجبهة وشبكة) يجتمع تحت مظلتها الشعب، وكل القوى الوطنية، حتى يستطيعوا الوقوف ضد "الإخوان" والدولة القديمة، "وكل منّا سيجد مكانه في هذا التنظيم، لكي تجد مصر ما تستحقه من مجتمع عادل كريم"، يقول حمدين من دون أن يذكر عبد الفتاح السيسي، كالعادة، فالجنرال صباحي لا يجرؤ على الذهاب إلى أبعد من ذلك، معاركه دائماً يخوضها من أجل سيده. لكن، هل حقاً من الممكن اعتبار حمدين خصماً محترماً للإخوان وفلول الدولة القديمة؟

يعلم الجميع أن صباحي أول من هرول لصعود حافلة "الإخوان" بعد ثورة يناير، لتنقله وحزبه إلى داخل البرلمان.. كما لا يمكن نسيان أن حمدين صباحي كان في طليعة المطالبين بإسقاط كلمة "الفلول" من قاموس المصريين، استعداداً للانقلاب على رئيسٍ منتخب ديمقراطياً.

يتحدث حمدين، بإلحاح، عن أنه الديك الفصيح في الثورة (يناير) والثورة المضادة (يونيو)، على الرغم من أنه نسف كل علاقته بالأولى "نسراً مجنحاً"، حين ارتضى أن يكون دجاجة، ترقد على بيضٍ غريب، في الثانية، ثم حين لعب ذلك الدور المخزي في تلك الملهاة التي سميت "انتخابات رئاسية"، جرت بين قائد للثورة المضادة ومورّد أنفار لها، أو بين شخصٍ يرتدي الزي العسكري وآخر تتلبّسه العسكرية، كما وصفتها في ذلك الوقت.

تذكّرك حالة حمدين، في صياحه الدائم بأنه ممثل الثورة، بأسطورة أميركية قديمة، تناثرت خيوطها في رواية للكاتب الأميركي أوين وستر 1902، وترجمها الروائي المصري محمد البساطي في تسعينيات القرن الماضي، وصاغ منها قصة قصيرة، عن دجاجة تدعى إيميلي عاجزة عن إنتاج البيض، لكنها تصر على أنها قادرة على إنتاج الفراخ، فكانت تتعارك مع الدجاجات التي تبيض، وترقد عنوة فوق بيضها، حتى تأتي الديكة لتنقرها وتطردها، فتخرج غاضبة، يقودها حلم الإفراخ إلى الجنون، إذ كانت تتوهّم أنها تستطيع أن تخرج الكتاكيت من أي شيء. لذلك، لم تكف عن البحث، وكانت ترقد على أي شيء مستدير الشكل. في مرةٍ، رقدت على بصل، وفي أخرى، رقدت على ثمار من الخوخ الأخضر، وجمعت، في إحدى المرات، سبع حبات من البطاطس، وضعتها على كومة قشٍّ بجوار الحظيرة، ورقدت فوقها.

تنتهي حكاية إيميلي بمشهد موجع، حين استيقظت كائنات المزرعة على صراخ الدجاجة العقيم وصياحها، تمشي في دهشةٍ واضطرابٍ، وخلفها كرة صفراء من الزغب. أفرخت بيضةٌ واحدةٌ من بيضٍ كثير سطت عليه، بعد أن خرجت صاحبته إلى حقل البرسيم، ولم تعد.

كانت صيحات إيميلي تزداد ولا تتوقف، وهي تطوف على غير هدى في المزرعة، وذيلها المعوج وريشتها الطويلة يهتزان وراءها، وخلفها يسير الكتكوت الوحيد، وقد أهملته تماماً، وظل صراخها يدوّي طول النهار، ولم تقرب الطعام.

وبرد الهواء، وأخذ اللون البنفسجي يبدو في الأفق، لكن إيميلي لم تكفّ عن الصراخ. ووثبت فجأة إلى شجرة، ووقفت على إحدى فروعها من دون أن تنقطع ضوضاؤها. وتحت الشجرة، كان الكتكوت الحائر يصيح صياحه الخافت، ويثب وثباتٍ صغيرةً، لكي يصل إلى أمه.

وفي المساء، سقطت إيميلي ميتة من فوق الشجرة. وظل الكتكوت بجوارها يرتعش من البرد، ثم سار أخيراً متجهاً نحو أصوات الدجاج التي كانت تأتي من الحظيرة.

مسكينة هذه الدجاجة.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة