لماذا لا يقطع الأردن علاقته بإسرائيل؟

لماذا لا يقطع الأردن علاقته بإسرائيل؟

19 نوفمبر 2023

اعتصام وأعلام أردنية وفلسطينية أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان (3/11/2023/الأناضول)

+ الخط -

سؤالٌ ملحٌّ وموجّه إلى كل الدول العربية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل: ما عدد الفلسطينيين الذين يجب أن تبيدهم إسرائيل قبل أن تقطع الحكومات علاقتها بها؟ هو لا يخصّ الأردن وحده، لكن الأردن، دولة وشعباً، يقع في مرمى نيران إسرائيل، فخطط التهجير القسري للفلسطينيين تهدّد مباشرةً، إضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تتعامل باستهتار، بل وعداء، مع الأردن نظاماً ودولة وشعباً.

الخطر الذي يتهدّد الأردن واضح لصنّاع الفرار، والتصعيد السياسي الصريح يعبّر عن غضب حقيقي. فالأردن، على لسان الملك عبد الله الثاني، وصف الحرب الإسرائيلية في غزّة بأنها "جريمة حرب". لكن كل التصريحات والتحرّكات، من خطابات الملك وأداء الملكة رانيا في مقابلات تلفزيونية وتصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي، وإن كانت في غاية الأهمية، قوبلت بغضب إسرائيلي. وهنا يجب التذكير بأن إسرائيل لا تغفر بل تنتقم، لكنها لم تكن كافيةً لإيقاف حرب الإبادة على قطاع غزّة.

لا يقع العبء على الأردن وحده، لكنه أكثر بلد مهدّد، بعد فلسطين، إضافة إلى أنه يرتبط بمعاهدة "سلام"، تبعتها اتفاقيات اقتصادية استراتيجية تربط مصادر الأردن بدولةٍ لا يمكن وصفها إلا بأنها عدوّ للأردن والأردنيين. وقد جاء القصف الإسرائيلي للمستشفى الأردني الميداني في غزّة، وإصابة سبعة من طواقمه، ليعبّر عملياً، وليس لفظاً، عن عداء الدولة التي ترتبط معها عمّان باتفاقيات استراتيجية للأردن والأردنيين، فلماذا لا يعدّ هذا العمل العدواني المخالف للمواثيق الدولية بمثابة إعلان حربٍ على الأردن؟ تقطع الدول علاقتها واتفاقياتها، أو على الأقلّ تجمّدها، ردّاً على جرائم أقلّ شأناً من قصف مستشفى تابع لها، فضلاً عن أنّ ارتكاب إسرائيل جريمة حرب في غاية البشاعة من قتل أطفال وصحافيين وإبادة عائلاتٍ بكاملها، يكفي لأخذ قرار فصل الأردن عن إسرائيل.

المسألة لا تتعلق بصراع هوياتي داخل الأردن، بل بمصير البلد نفسه ومستقبله

الأمر غير مفهوم: صحيحٌ أن اتفاقيات مدّ خط الغاز المسروق من الفلسطينيين، وتبادل مياه محلّاة من البحر الأبيض المتوسط مقابل الطاقة الشمسية من وادي عربة، المشروع الأكثر خطراً المسمّى "بوّابة الأردن"، مرفقة، مثل حالة اتفاقية الغاز، بعقوباتٍ مالية، لكن جرائم الحرب الصهيونية وعدم التزام إسرائيل بنوداً في معاهدة وادي عربة أكثر أهمية من سائر الاتفاقيات. وهنا لن أورد اقتراحات لم ترد على بال آخرين، ولكني على ثقة بأن عشرات المحامين من الأردن والدول الغربية والعالم على استعداد لمساعدة عمّان في التخلص من معاهدةٍ أصبحت عبئاً ثقيلاً عليها.

قد يكون الأهم من ذلك أن المسؤولين الأردنيين قالوا، عند توقيع المعاهدة في عام 1994، إنها تحافظ على الأردن، وتحميه من أي أطماع صهيونية في شرق نهر الأردن، أي الأردن نفسه، ومن مخططات تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين بعد تهجيرهم القسري من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. ولكن المعاهدة لم تكن صمام أمان، وهناك حالياً حكومة إسرائيلية تنفذ مخطّط التهجير القسري، ليس من قطاع غزّة، الذي أصبح مختبر تجارب لأدوات الدمار الصهيونية والغربية، لكن الحكومة الصهيونية تستعين بالمستوطنين المسلحين، لترهيب سكّان مدن الضفة الغربية وقراها وترويعهم. ووزيرا المالية والأمن القومي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وهما من غلاة المستوطنين المتطرّفين، يهدّدان علناً بطرد الفلسطينيين، ويعملان مع المستوطنين والمليشيات التابعة لبن غفير لدفع الفلسطينيين إلى الحرب، وبالتالي تهجيرهم قسراً إلى الأردن.

ولو فرضنا جدلاً أنّ هناك وهماً سياسياً لدى أصحاب القرار، أن المعاهدة تحمي الأردن، فهذا لا يهمّ حالياً، فكما صرح رئيس الوزراء السابق، أحمد عبيدات، في مقابلة تلفزيونية قبل فترة وجيزة، قائلاً: "لقد نفدت صلاحية اتفاقية وادي عربة"، داعياً إلى تغيير سياسة الأردن تجاه الدولة الصهيونية وكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية. والرجل مدير مخابرات سابق وعضو سابق في مجلس الأعيان، وعارض المعاهدة عند توقيعها، وقال إن "المقاومة الفلسطينية هي الضمانة الوحيدة" لحماية كل الأنظمة العربية وجاءت تصريحاته هذه قريبة من الشارع ومما يردّده المعارضون، وحتى مسؤولون وشخصيات خدمت في أعلى المناصب في الدولة، صراحة، أو في مجالسهم الخاصة، فهناك خوفٌ حقيقيٌّ على الأردن وواقعه ومستقبله. فالغضب الشعبي الممثل في التظاهرات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط تضامناً مع الفلسطينيين واستنكاراً لهول الجريمة المصوّرة على الشاشات، بل استياء من عدم تحرّك الدول العربية، بما فيها الأردن، لقطع العلاقات مع إسرائيل، بالرغم من التصريحات غير المسبوقة للملك عبد الله الثاني، ورفضه القاطع الامتثال للضغوط الأميركية لإدانة حركة حماس، والدخول في نقاش عن مستقبل غزّة، بما يتضمنه ذلك من قبول حرب الإبادة والجرائم والمخطّطات الإسرائيلية.

يجب مواجهة التحدّي الحالي، وإلا فسيجد الأردن، وهو في مرمى الخطر، نفسَه في حالة طوارئ، ليس من السهولة الخروج منها

وصلت الأمور إلى حدٍّ غير مسبوق. تريد إسرائيل مشاركة فاعلة من الدول العربية في تكملة المشروع الصهيوني بتهجير الفلسطينيين، فهذه الحكومة التي تمثل الانزياح للمجتمع الإسرائيلي، ولكنه الصهيوني، لا تهتم بأيّ زعيم عربي أو بسلظة فلسطينية أو معاهدات. وقد هدّد بن غفير، بعد إعلان كتائب القسام عملية النفق الفدائية، السلطة بالتعامل معها كما يجري التعامل مع حركة حماس، أي تدمير الضفة الغربية.

يجب مواجهة التحدّي الحالي، وإلا فسيجد الأردن، وهو في مرمى الخطر، نفسَه في حالة طوارئ، ليس من السهولة الخروج منها. ومن أهم ما يمكن فعله، وهو مقدور عليه، الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية والتلاحم الشعبي الأردني، والتصدّي للتهديدات الإسرائيلية بما تُنذر به من طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، والتصدّي لمحاولات إحداث فتنة داخلية بين الأردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني، وهذا خطر لن يفيد إلا الدولة الصهيونية، فالمسألة لا تتعلق بصراع هوّياتي داخل الأردن، بل بمصير البلد نفسه ومستقبله، فالحفاظ على الوحدة الوطنية هو صمام الأمن الحقيقي. وهناك حاجة إلى تفكير استراتيجي شامل، يشمل اتخاذ سياسات داخلية سليمة والاستعداد لما بعد قطع العلاقات مع إسرائيل، فاستمرارها يُضعف الأردن، ويزيد الوضع الداخلي احتقاناً، فمهما فعلت أي دولة عربية للحفاظ على علاقتها مع إسرائيل، لن تهرع أميركا إلى حمايتها من خطر وجودي ماثل، وهو إسرائيل.