لماذا لا يتعلّم العرب من نتنياهو وبن غفير؟
غريبٌ هذا التعلّق الطفولي بأنّ خلافًا بين بايدن ونتنياهو يمكنه أن يؤدّي إلى تصدّع في أساس علاقة الارتباط الوجودي بين واشنطن وتل أبيب، بما يشمله ذلك من إقدام أميركا على وقفِ تسليح العدوان الإسرائيلي وتمويله وتبنّيه في المحافل الدولية، وحمايته في حضانة الفيتو المعطّل أيّ خطوة أممية من شأنها إيقاف المأساة.
لم يصدُر عن واشنطن ما يغضب الصهاينة سوى بعض الغضب الخجول المحذِّر من أنّ جموح اليمين الصهيوني المتطرّف يمكن أن يعرّض مصلحة إسرائيل، التي هي أولوية مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة، للخطر.
حتى على مستوى الخشونة في العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، تبيّن أنّ الأوّل في حاجةٍ إلى الثاني أكثر من احتياج نتنياهو إلى الرئيس الأميركي، وهو ما ينعكس في اللغة الاستعلائية التي يخاطب بها نتنياهو عجوز البيت الأبيض الذي يناضل من أجل فترة رئاسةٍ ثانية، كما يحارب نتنياهو من أجلِ البقاء على رأس حكومة الاحتلال.
خذل العرب الرسميون غزّة وأهانوا أنفسهم عندما ارتضوا أن يلعبوا أدوار المنفّذ المطيع للتصوّرات والأفكار الأميركية الخاصة بوقف المقتلة، وهي التصوّرات التي تأتي على خلاف مخرجات الهيئات الأممية، ومتعارضة مع ما تطالب به شعوب العالم، والذي تعبّر عنه التظاهرات المليونية التي تملأ شوارع أوروبا وأميركا، وتهتف بالحرية لفلسطين والحياة للشعب في غزّة وردع العدوان الواقع عليه، كما تعبّر عنه قرارات محكمة العدل الدولية، وكذا تلك القرارات المُجهضة بالفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
صورة أخرى للخذلان والمهانة تُكشف عنها تلك الحالة من خداعِ الذات المتعمّد وترويج أنّ ثمة ضغوطًا أميركية حقيقية يمكن أن تلجم العدوان الصهيوني على مدينة رفح وارتكاب مجزرة إبادة جماعية أخرى، أو توهم انقساماً داخل عناصر التركيبة السياسية الإسرائيلية بشأن الهجوم على رفح، وهو ما يتجلّى في اختراع وهمٍ أكبر يُفترض أنّ بنيامين غانتس يمكن أن يكون أفضل من بنيامين نتنياهو لمجرّد أنهم اختصروا اسمه إلى"بيني فقط" فيما خصّ وقف المذابح ضدّ الشعب الفلسطيني، أو الذهاب إلى مساراتٍ تفاوضيةٍ أخرى يمكن أن تأتي بالسلام، ذلك الوهم الذي يتعاطاه العرب منذ أكثر من نصف قرن، ولم يحصلوا على شيء.
كان الخذلان حاضراً كذلك عندما انقلب العرب على مخرجات قمّةٍ عربيةٍ إسلامية يتيمة انعقدت في الشهر الثاني من العدوان، وتمخضت عن غابة هائلة من القرارات والتوصيات لم يُنفّذ منها شيء، وكأنّها كانت مجرّد قفزةٍ استعراضيةٍ دبلوماسية، على طريقة الاستعراضات الجوية فوق سماء غزّة لإسقاط بعض الوجبات الغذائية التي يقتل بعضُها الجوعى قبل أن تقتل الجوع نفسه.
الشاهد أنّ الكيان الصهيوني يسلك بوصفه نظاماً سياسيّاً واحداً. وعلى الرغم من التباينات الواضحة في الخطاب، إلا أنّ ثمّة موقفاً موحّداً من الصراع يحكم الجميع، يرى في الفلسطينيين خطراً وجوديّاً، ويعتبر المقاومة العدو الاستراتيجي الذي يتحتّم استئصالُه، ولو تطلّب الأمر ألّا يبقى طفلٌ فلسطينيٌّ واحد على قيد الحياة، فيما لو نظرت حولك بحثاً عن موقفٍ عربيٍ لَما وجدت سوى طيفٍ واسعٍ ومتنافرٍ من المواقف، بعضها يتماهى مع الموقف الأميركي وبعضها داعم للرواية الصهيونية، ويشاطرها العداء ذاته للمقاومة الفلسطينية، وبعضها الآخر لا يشغله في الصراع شيء سوى الخروج بأكبر قدرٍ من المكاسب الخاصة عن كلّ خطوة يخطوها، فرحاً بسيل الدولارات المتدفّق فوق رأسه، بالمعدّل ذاته الذي يتحرّك به عدّاد الشهداء من الشعب الفلسطيني في غزّة.
مؤسفٌ أن يضطرّ أحدٌ أن يطلب من العرب أن يتعلّموا من نتنياهو كيف يقولون لا في وجه الوصاية السياسية الأميركية، وأن يتعلّموا من ضباع اليمين الديني المتطرّف منطق القوة، كما يفعل وزير الحرب المجرم بن غفير وزميله سموتريتش، إذ يتحدّيان واشنطن والاتحاد الأوروبي، ويعيدان الاعتبار إلى صوت البندقية، في عدوانها السافل ضد أصحاب الأرض، في مواجهة صياح طفولي عربي لا ينقطع، ولا يخجل من إدانة فعل المقاومة وتجريمه، منذ تسابقوا مبكّراً في التنديد بطوفان الأقصى وساووا بين دم الشقيق ودم المعتدي.