لماذا اجتمع مدراء المخابرات في الرياض؟
القليل لكن الخطير يكشفه موقع أكسيوس الأميركي قبل أيام، ويتعلق باجتماع سرّيٍ عُقد في الرياض قبل نحو أسبوعين، وشارك فيه مدراء أجهزة المخابرات في السعودية ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، لبحث الخطط المفترضة لليوم التالي لحرب الإبادة على غزّة. وبحسب الموقع، وُضع كبار المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين في ضوْء ما دار في الاجتماع، وملخّصه أن على السلطة الفلسطينية أن تقوم بإصلاحاتٍ جدّية تمكّنها من تنشيط قيادتها، وأن هذه الإصلاحات ضرورية لها حتى تعود إلى حكم غزّة. ويفيد تقرير "أكسيوس" بأن هذه الإصلاحات تقضي بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة يستحوذ رئيسُها على بعض صلاحيات الرئيس محمود عبّاس، ما يعني تهميش الرجل وربما اعتباره "غير ذي صلة". والوصف الأخير أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في تلك الحقبة المؤسفة والمؤسية جداً في تاريخ الفلسطينيين، التي انتهت بحصار عرفات، وكانت ترجمتُها منح عبّاس كثيراً من صلاحيات الزعيم الراحل قبل أن يحلّ مكانه، وهو ما يواجهه حالياً عبّاس نفسه، ولا علاقة لذلك بما يوصف بمكر التاريخ، بل بتحوّل التراجيديا الفلسطينية عالية الكثافة إلى ملهاةٍ لا تُضحك أحداً على يد عبّاس.
لا يُعرف لماذا استُبعدت قطر عن الاجتماع، رغم أنها منخرطة بشكل فعّال، وتقوم بدور حاسم في ترتيبات ما قبل انتهاء العدوان، ناهيك عن أنها الأكثر تواصلاً مع حركة حماس (الطرف الرئيسي في المواجهة)، ومع الأميركيين الذين ما زالوا في مسيس الحاجة لوساطتها طويلة النفس في مفاوضات تبادل الأسرى أو سواها. يعطفُ على هذا أنها الدولة الأكثر حضوراً داخل غزّة نفسها من خلال مساعداتها، وصلتها الوثيقة مع طيفٍ واسعٍ من مكونات غزّة السياسية والمجتمعية، وليس مع "حماس" فقط. وربما يعود ذلك إلى أمرين: رغبة المجتمعين في الرياض المُضمرة للتساوق مع شروط إسرائيل في استبعاد "حماس" تماماً من مشهد ما بعد العدوان، والثاني: سياسات أغلب دول المجتمعين التي تعادي ما يوصف بتيار الإسلام السياسي. على أن ذلك (استبعاد قطر والرغبة في إقصاء حماس) يفترض أن الحرب انتهت بهزيمة المقاومة بالضربة القاضية، وأن البيئة الحاضنة للمقاومة، وليس" حماس" فقط، تتكوّن من مجموعات سكّانية، وليست شعباً يتطلع إلى تقرير مصيره بشروطه، وبالتالي، فإنها ستتقبل أي إدارة سياسية أو مدنية لها مقابل وعود سخيّة بإعادة الإعمار.
المسعى المشار إليه استسلام كامل للمقاربة الإسرائيلية، ولا يستجيب للحدّ الأدنى من مطالب الغزّيين، وهم أصحابُ القول الفصل في أي خططٍ تبحث مستقبلهم. وواضحٌ أن اقتراح بسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على قطاع غزّة بعد الحرب سيكون وبالاً على هذه السلطة نفسها التي يعرف العالم كله أنها لا تسيطر على مناطقها في الضفة الغربية، بل إنها لا تتمتّع بشرف السيطرة على محيط مقرّ المقاطعة، حيث يقيم عبّاس وفريقه، إذا قررت إسرائيل ذلك. وعملياً، هذا يعني إحكام سيطرة إسرائيل التي لم يعد رئيس وزرائها يريد عبّاس في مقر المقاطعة، فيدفعه إلى التنازل أكثر لرئيس وزراء بسقف وطني أخفض مما لدى عبّاس، ما يعني زيادة سيطرة إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزّة معاً، وتمهيد الطريق إلى إضعاف السلطة الفلسطينية أكثر مما هي عليه، من دون أن يعني هذا حُكماً أنها ستبسُط سيطرتها على غزّة، بل ربما أن تمضي إسرائيل في خططها لإقامة إدارةٍ مدنية. وسبق للحكومة الإسرائيلية أن بحثت فكرة الحكم من خلال ممثلي العشائر ووجهاء المناطق والأحياء في قطاع غزّة، وفي الحالتين (سلطة فلسطينية ضعيفة تدير غزّة أو إدارة مدنية) فإننا سنكون أمام سلطة ضعيفة تذهب إلى غزّة من فوق الدبابات الإسرائيلية أو تكرار نموذج روابط القرى، ولا أظنّ أن السلطة الفلسطينية على الضعف البيّن والبنيوي لها ولرئيسها ستقبل بهذه النوعية المهينة من الحلول.
إلى ما سبق، ينسب موقع أكسيوس إلى مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان قوله في الاجتماع إن بلاده لا تزال مهتمّة بالانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل، مقابل خطوات إسرائيلية تمهّد الطريق نحو إقامة دولة فلسطينية "حتى لو لم تُنشأ هذه الدولة على الفور"... ماذا يعني هذا؟ دعوة الفلسطينيين إلى إعلان الهزيمة مسبقاً، لعل الدولة الفلسطينية تَعْلَق في سِنّارة اجتماع الرياض أو سواه.