لعلّ "2728" يعيد بعض التوازن

لعلّ "2728" يعيد بعض التوازن

27 مارس 2024

مندوبة أميركا تمتنع عن التصويت على وقف إطلاق النار في غزّة في مجلس الأمن (25/3/2024/Getty)

+ الخط -

ليس هناك الكثير من المنطق ولا العقلانية في العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية، على الأقل منذ بدأ بنيامين نتنياهو يترأس حكومات في تل أبيب، أي منذ 1996 على امتداد فترات متقطعة. ست وزارات ألّفها الرجل وجّه خلالها إلى إدارات أميركية إهانات سياسية وشخصية لم يوجّهها غيره من الحلفاء ولا من الشركاء. إهانات لم تؤثر على منسوب الدعم الذي تقدّمه واشنطن لتل أبيب، حتى عندما يحرّض على الرؤساء الأميركيين ويتمنّى علناً وصول خصومهم (غالباً ما يكونون جمهوريين) إلى الرئاسة، على اعتبار أن التأييد حينها سيكون مجانياً ومن دون أي مقابل مطلوب من إسرائيل، مثلما بدت الصورة في ظل رئاسة دونالد ترامب (2016 - 2020). كلما نال نتنياهو دعماً، طالب بالمزيد وتبرّم من ضغوط يدّعي أنه يتعرّض لها من المسؤولين الأميركيين، وكلما غادر رئيس منصبه في البيت الأبيض، سرّب أوصافاً عن نتنياهو الكاذب والجاحد وناكر الجميل والغدّار. حتى دونالد ترامب قال عنه إنه "مخيّب للآمال" وإنه كان يحاول أن ينسب لنفسه كل ما تفعله أميركا من أجله ومن أجل دولته. كلما قدّمت أميركا خدمات استراتيجية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية لإسرائيل، تجاهل نتنياهو مصالحها في المنطقة وعمل بما يعاكسها، مثلما حصل في موضوع الاتفاق النووي مع إيران أيام باراك أوباما. الأهداف السياسية الشخصية الضيقة لنتنياهو من أجل البقاء في السلطة ظلّت تحلّ في المرتبة الأولى عنده قبل أي اعتبار آخر. أمام هذا المشهد المتتالي فصولاً، ربما لا يكون امتناع أميركا عن استخدام الفيتو ضد القرار رقم 2728 الذي صدر يوم الاثنين عن مجلس الأمن الدولي، سوى محاولة لإعادة التوازن والمنطق إلى تلك العلاقة التي جعلها باراك أوباما ثم جو بايدن من بعده تصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى حضيض الاختلال، بكل هذا الدلال الذي جعل نتنياهو يطمئن إلى أنه مهما ارتكب، لن يتعرّض من الرئيس الديمقراطي لأكثر من تذمّر لن يؤثر على المقولة البايدنية الشهيرة التي تفيد بأنّه ليس على المرء أن يكون يهودياً لكي يكون صهيونياً.

ستة أشهر من إهانة بايدن بلده من أجل دمويي إسرائيل وعنصرييها، أنتجت انقساماً جدّياً داخل الحزب الديمقراطي بين متيّمين بـ"الاستثناء الإسرائيلي"، وليبراليين ويساريين داخل الحزب عاجزين عن تحمّل هذه الإهانة التي تمثلها قيادة إسرائيلية لا تعبأ إلا بهوس الاستيطان والقتل والتطهير العرقي والتفوّق العنصري. والنتيجة أن 60% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، باتوا يعبّرون عن آراء إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني، بينما لدى 46% آراء إيجابية تجاه إسرائيل، بحسب أحدث استطلاع رأي لمركز بيو للأبحاث نُشر قبل أيام.

لن يوقف القرار 2728 الحرب الإسرائيلية على غزّة لا غداً ولا بعد غد، فهو صادر عن أضعف مؤسّسة دولية، أي الأمم المتحدة، كذلك فإنه وُلد نتيجة مساومات وتسويات ومفاوضات خاضتها أميركا على الحَرف والكلمة، بشكل يُشعر إسرائيل بأن الوقت حان لتغيير شكل الحرب على غزّة، لأن الانتقام تحقق بالفعل ولن يتم القضاء على حركة حماس بالأسلوب المعتمد، ولا باجتياح بري شامل لمدينة رفح، لكن من دون كسر تل أبيب ومن دون أن يوحي القرار بأنه انتصار لـ"حماس". والحال أن مفاوضات أميركا والدول العشر التي صاغت المشروع (الجزائر والإكوادور وغويانا واليابان ومالطا وموزامبيق وكوريا وسيراليون وسلوفينيا وسويسرا) استغرقت أكثر من 24 ساعة على كلمة واحدة، لكي يدعو القرار في النهاية إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال الأيام الباقية من شهر رمضان "على أن يؤدّي إلى وقف إطلاق نار مستدام"، أو يدوم طويلاً (lasting)، وليس دائماً (permanent) مثلما كان في الصيغة الأصلية.

تمرير أميركا القرار 2728 لن يوقف الحرب الإسرائيلية على غزّة فوراً، ولكنه كان سلوكاً ضرورياً من أجل إعادة إرساء قاعدة ضرب كل من بايدن ونتنياهو أسسها، وهي أن تمرّد الحليف الصغير على الحليف الكبير لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، وأن هذا الحساب المفتوح للدلع الإسرائيلي عند المسؤولين الأميركيين، ليس قدراً مكتوباً للعالم تحمله إلى ما لا نهاية.

أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري