لبنان الكيان على طريق التغيير

25 سبتمبر 2020
+ الخط -

غرّد النائب اللبناني السابق، وليد جنبلاط،: "غدًا وعند صياح الديك سيكتشف أهل الميثاق القديم، وأهل العرف الجديد، أن لا أمل في بيت المال، وأنّ مرفأ بيروت مات، وانتقل إلى أشدود وعسقلان، وأنّ كل صواريخ وراجمات المذهبية من أية جهة، لن تحمي لبنان. أخشى أن أقول رحمة الله على لبنان الكبير".

لبنان الكبير، هذا الذي كوّنته السياسة الفرنسية، قبل مائة عام، عندما أعلن الجنرال الفرنسي غورو، ضمّ الأقضية الأربعة، لتصبح مساحته 10452 كلم مربعا، هو الذي ذكره جنبلاط في تغريدته، والذي يخاف على ضياع هويته. يتلاقى خوفه هذا مع التخوّف الفرنسي، المتسارع لحجز مكان له في لبنان. فقد ذكر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أنّ لبنان مهدّد بضياع كيانه، إن لم يُقدم المسؤولون فيه على اعتماد سياسات إصلاحية جدية.

من التعارض في المعنى، بين عبارتي "لبنان ذو وجه عربي" التي أصرّ الشريك المسيحي على ذكرها و"لبنان دولة عربية" التي وضعها الشريك المسلم في اتفاق الطائف، يقع الخلاف الكبير.

مرّ لبنان، منذ تأسيسه، بأزمات مصيرية، كادت تطيح وجوده، فمن التعارض في المعنى، بين عبارتي "لبنان ذو وجه عربي" التي أصرّ الشريك المسيحي على ذكرها و"لبنان دولة عربية" التي وضعها الشريك المسلم في اتفاق الطائف، يقع الخلاف الكبير. الخلاف بين مكونين يظهر عمق التفكير الأيديولوجي، فالأول يطلب الحماية الغربية، والثاني ينادي بالاندماج بالمحيط العربي. لبنان الذي خاض حربًا مذهبية خرج منها باتفاق الطائف، وأعاد الأفرقاء الكرة ليذهبوا إلى الدوحة في العام 2007، ويأتوا بعبارة "المثالثة في الحكم". 

أمّا اليوم، فبعد طرح مفهومي "حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية"، و"المداورة في الوزارات"، يواجه لبنان جدّيًا خطر الوجود الكياني. لا سيما وأنّ الطرح الأول يواجه معارضة من الثنائي الشيعي وبعض من حلفائهما، لأنّ الموضوع عندهما يرتبط بمحور الممانعة المدعوم من إيران. أما المفهوم الثاني، فيعارضه أيضًا هذا الثنائي الذي يعتبر توقيع وزير المالية تجسيدًا للمثالثة في القرار والحكم. اللافت أنّ مؤيد المداورة هو التيار الوطني الحرّ الذي يعتبر الشريك الأساسي لحزب الله، وتيار المستقبل الذي يعتبر الحليف التاريخي للرئيس نبيه بري.

لم تعد الخيارات كثيرة عند اللبنانيين، فعامل الوقت يضيق، والمطلوب واحد، الإصلاح ومكافحة الفساد.

بالعودة إلى تغريدة جنبلاط، فقد ذكر أن لا أمل في لبنان، لا من الناحية الميثاقية ولا حتى العرفية، ولا حتى في مؤسساته، سيما المصرفية. لم تظهر بعد نتائج زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، للأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، فقد جاءت الزيارة هذه، بعد زيارته لتركيا العرابة الرئيسية لحركة حماس. لذا، قد تندرج تلك الزيارة في توحيد الصفّ، لترسيخ مشروع المقاومة، الذي يطيح حكمًا مشروع الحياد، الذي يحرص البطريرك الراعي على تنفيذه. 

رغم التباين في المواقف التي برزت بين الحزب وحماس من الصراع في سورية، إلّا أنّ تقاطع المصالح بينهما أعاد اللحمة بين أخصام الأمس. وبات السؤال المصيري: "هل يصبح الجنوب اللبناني، معركة الصواريخ والراجمات المذهبية، التي ذكرها جنبلاط، في تغيير خارطة لبنان الجغرافية والديمغرافية"؟

في ظلّ هذا الاختلاف على المشاريع، وفي المفاهيم، يعيش لبنان ما يعرف بـ "صدام الشوارع". هذا الصدام الذي زعزع كيانات دول، وغيّر في هويتها. ففي ١٧ تشرين الأول، شهد لبنان تحركات واحتجاجات اللبنانيين المطالِبة بتغيير النظام، وقلب الطاولة على كل المسؤولين، تحت شعار "كلن يعني كلن". هذا ما أربك المسؤولين، ودفع بالرئيس سعد الحريري لتقديم استقالته، وتأجج الشارع أكثر نحو التغيير. صحيح أنّ البعض اعتبرها ثورة، لكنّ البعض الآخر وجد فيها انقلاب سفارات لدفع لبنان لتقديم تنازلات ونحن على عتبة "صفقة القرن"، صناعة جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي من أبرز بنودها التوطين.

الصراعات الإقليمية، ومرحلة الانتظار للانتخابات الأميركية، وما ستفرزه من رابح، ووتيرة التطبيع مع العدو المتسارعة، من شأنها أن تزيد الضغط على لبنان

لبنان، يخضع اليوم لضغوط اقتصادية، أميركية - أوروبية - عربية، دمرت اقتصاده، وأدّت إلى انهيار عملته، وزادت من فقره، وضاعفت نسبة البطالة فيه. يعيش لبنان اليوم تفكك الهوية، وتشرذم الكيان، على الرغم من المقاومة التي يبديها للحفاظ على وجوده. مع هول مأساة كارثة انفجار مرفأ بيروت، لم نلمس بعد فداحة الخسارة الاقتصادية، كما وأنّ المرفأ لن يعود إلى دوره الرئيسي على البحر المتوسط، بوابة الشرق والغرب؛ فمع كارثة المرفأ، تسارعت وتيرة التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي، وهذا يعني أنّ المرفأ سيخسر زائره وتاجره العربيَين، لاستبداله بمرفأ عسقلان، وحيفا. 

المبادرة الفرنسية الإنقاذية للبنان، والتي اعتبرها الرئيس الفرنسي، ماكرون، حبل النجاة الأخير قبل الضياع، يبدو أنّها عُرقلت بين رفض المداورة وتعيين الثنائي الشيعي وزراءه، ومطالبته بالثلث المعطّل، وبين عدم قدرة رئيس الحكومة المكلّف، مصطفى أديب، على حسم خيار التشكيل من دون التوافق السياسي على تشكيلته. وفي الأثناء، لم تعد الخيارات كثيرة عند اللبنانيين، فعامل الوقت يضيق، والمطلوب واحد، هو الإصلاح ومكافحة الفساد. تسارعت الأحداث، ولبنان يسير بطريقة انحدارية نحو المجهول، لذا، بات من الضروري العمل لإنقاذ ما تبقى من وطن.

تسرّب أوساط مقرّبة من مصطفى أديب إمكانية تقديم استقالته، ما يدخل البلد في نفق التغيير الحتمي

الصراعات الإقليمية، ومرحلة الانتظار للانتخابات الأميركية، وما ستفرزه من رابح، ووتيرة التطبيع مع العدو المتسارعة، من شأنها أن تزيد الضغط على لبنان. واعتماد لبنان مسار التوجه شرقًا بات ضعيفًا، لأنّ الشرق لم يعد على استعداد لدعم بلد على شفير الهاوية. وخيار الدخول في حلف الممانعة ضاق أيضًا، فها هو حزب الله يسحب حوالي 2500 مقاتل من سورية، بقرار من الروسي المصرّ على اللعب وحيدًا هناك. إضافة إلى ذلك، تشهد الساحة اللبنانية زحمة تدخلاتٍ دولية، حيث ترسو في مياه لبنان الإقليمية، حاملات الطائرات، ما ينذر بحربٍ باتت قاب قوسين.

وتعيد مطالبة الرئيس ميشال عون المؤسسات الدولية بالعمل على مساعدة لبنان وضع البلد إلى حضن المجتمع الدولي، وتعتبر هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلد. في حين أنّ التوجه الآخر لم يبد أي استعداد جدّي لمساعدة لبنان، وتقديم العون له. هذا ما يزيد الشرخ بين الأفرقاء، الأمر الذي ينعكس سلبًا على تشكيل حكومة مصطفى أديب، حيث تسرّب أوساط مقرّبة منه إمكانية تقديم استقالته، ما يدخل البلد في نفق التغيير الحتمي.