لبنان .. الاقتداء بتجار المخدّرات

01 مايو 2021
+ الخط -

حين تقرأ أخباراً عن القبض على تجّار مخدرات أو هروبهم، تفكّر أحياناً بتفاصيل الحدث، كيف حصل وكيف تفاعلت الشرطة والتاجر ووسائل الإعلام والبيئة المحيطة والسياسيون. كيف يؤثر إلقاء القبض على تاجر أو فراره على دورة اقتصادية ما في المنطقة، وعلى سلوك أهلها، وشعورهم بالأمان أم لا، وانعكاسات ذلك على نموّ المنطقة من عدمه. كيف ستكون الحياة قبله أو بعده في الحيّ أولاً، ثم المدينة ثانياً. هل يُمكن أن يؤدّي الفراغ الذي أحدثه غياب التاجر عن المكان إلى ملئه بتاجر آخر، سيتعلم منه، وسينجح في رشوة السلطات وتمتين موقعه؟ الأهم هو كيف كان سلوك التاجر خلال "ساعة الصفر". هل كان يتوقع ذلك، أم فوجئ؟ هل كان مطمئناً إلى إجراءاته إلى أن صُدم بخيانة ما من أحد مقرّبيه؟ طبيعي أن ظروف كل تاجر ومناطقه وحيثياته تختلف عن تاجر آخر، لكنهم يتفقون على أمر واحد: التحضير لمثل هذه اللحظة.

في العادة، حين يبدأ تاجر المخدرات عمله، يضع في حسبانه أنه سيتم اعتقاله في وقتٍ ما، فلا يضع أمواله في المصارف، كونها غير مُصرّح عنها، ولا يستثمر بجزء كبير منها، كي لا يثير الشبهات حول غسل الأموال. ويعمل على تكديس الفلوس، سواء في منزله أو خارجه، أي في مكان آمن وسهل الوصول إليه في أي لحظة، كما يحتفظ بجوازات سفر أو أوراق رسمية صالحة للاستخدام في العبور من بلد إلى آخر. وفي اللحظة المفصلية، يباشر سباقه مع السلطات الأمنية والقضائية، فإما ينجح في الفرار وإما يفشل. وتكبر حظوظ التاجر في الهروب، إذا كان في دولة متفلتة أمنياً، وتقلّ حظوظه إذا كان في دولة فعلية. وفي حال نجح في عبور بلده، مع أمواله والمقرّبين منه، فإنه سيختار وجهةً لا يُمكن لها تسليمه إلى دولته الأصلية. حينها يبدأ حياة "مثالية"، وكأُنه وُلد من جديد.

كما في عالم تجار المخدرات كذلك في لبنان. السياسيون والمصرفيون وأمراء الحرب يتصرّفون وكأنهم تجار مخدّرات. يستعدون لساعة الصفر الخاصة بهم، بل إن كثيرين منهم نقلوا أموالاً إلى خارج البلاد منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ليس بالضرورة أن تكون هذه الساعة حاسمة، وقد لا تخيفهم، بل حتى قد تدفعهم إلى الواجهة إذا أعادوا تشكيل إدارات المناطق بمعزل عن الدولة اللبنانية، باسم "مساعدة الناس على تجاوز المحنة الاقتصادية". لكنهم يستعدّون لها. كثر يملكون جوازات سفر أجنبية، وعديدون منهم يملكون عقارات ومساكن في الخارج. فعلياً، الغالبية الساحقة من هؤلاء لا يعانون اقتصادياً واجتماعياً مثل المواطنين والمقيمين في لبنان. لقد نَمَت أموالهم إلى درجة عدم استيعابهم أن هناك من يقاتل للحصول على علبة جبنة صغيرة، كي لا ينام جائعاً.

وكما تتم "أنسنة" تاجر المخدرات، تتم "أنسنة" أبطال السلطة في لبنان. نادراً ما تجد صحافياً أو إعلامياً لا يستخدم عبارة من نوع "بغضّ النظر" و"حتى لو أحببناه أو كرهناه"، استباقاً لمصطلح "ولكن"، في معرض تبريره كلاماً أو فعلاً لسياسي ما. وفي ظنّ هؤلاء الصحافيين والإعلاميين أن العمل الصحافي ينطلق مما يعتبرونه تفكيكاً لمسألةٍ ما ومعالجتها. لكن، كما أن تاجر المخدّرات يبقى تاجر مخدّرات، حتى لو بنى مساكن لكل الناس، كذلك السياسيون في لبنان، يبقون لصوصاً أو حماة اللصوص في بلدٍ يلفظ أنفاسه، ولا يمكن التعامل معهم على قاعدة أنهم "أشخاص جيدون، فلمنحهم فرصة". منحهم مثل هذه الفرصة يعني استمرارهم في تكديس أموالهم والتحضير لساعة الصفر الخاصة بهم. وفي لحظةٍ ما، قد لا يداهمهم فيها أحد، لكنهم سيرحلون حين يرون أن الأرض اللبنانية جفّت، وأنه لم يعد لدى ناسها ما يُسرق. وبعد سنوات طويلة، سيُضرب المثل بـ"التجربة اللبنانية"، وسيُقال إن الفارّين سرقوا الشعب وقتلوه، ورحلوا أحراراً من دون عقاب.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".