لا يقرأون جدعون ليفي عن جنين
طريفٌ من "ويكيبيديا" أنها، في تعريفها بالصحافي الإسرائيلي، المناهض جرائم دولة الاحتلال، الاستيطان والقتل والاعتداءات (وغيرها)، جدعون ليفي (1953)، تُخبرنا بأنه مطلّق، وأبٌ لابنين، يقول إنهما لا يشاركانه أفكارَه ولا يقرآن مقالاته. والراجح أن مقالاتِه، مع التفشّي الواسع للتطرّف الصهيوني في إسرائيل، لا تُحرز مقروئيةً واسعة. وليست هذه السطور معنيةً بأنّ نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وزملاءَهم في طاقم الحكومة الفاشية الراهنة يقرأون ما يكتبه جدعون ليفي أم لا يفعلون، وإنما هي معنيّة بالإضاءة على بعض ما يكتُبه منذ مدة عن جنين والمقاومة الفلسطينية الباسلة فيها واعتداءات جيش الاحتلال المتكرّرة فيها. ومن جديده، أنه، في مقالته الأسبوع الماضي في "هآرتس"، يصف المقاتلين في مخيم جنين بالشجعان. ويكتب عن الأهالي أنهم تُركوا في المخيم لمصيرهم، وقد وقفوا وشاهدوا المستوطنين الحقيرين (مفردته)، وهم يحرقون بيوتهم وحقولهم وسياراتهم. وذلك بعد أن يستهلّ جدعون ليفي مقالته بأنه لا توجد في العالم مجموعاتٌ سكّانيةٌ كثيرةٌ عاجزةٌ مثل الفلسطينيين الذين يعيشون في بلادهم، لا أحد يُدافع عن ممتلكاتهم وحياتهم. ويضيف، من بين كثيرٍ مهمٍّ يضيفه، إن منع الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم أحد القواعد الأكثر هستيريةً. ويسأل: لماذا، بربّكم، محظورٌ على الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم؟ من الذي سيفعل ذلك بدلاً منهم؟ يأتي المقال على ارتكاب المستوطنين نحو 35 مذبحة في ثلاثة أيام، وأنّ جنود الجيش قَتلوا، منذ بداية السنة، نحو 160 فلسطينياً، غالبيّتهم من الأطفال.
لنقل، إذاً، إن جدعون ليفي إسرائيليٌّ شجاع. يستحقّ وصفاً كهذا في الذي يواصل الجهر به في بيئةٍ معاديةٍ لقناعاته هذه، وهو الذي يصف نفسَه إسرائيلياً وطنياً، وكلّ ما يفعله أنّه لا يرضى أن تكون إسرائيل بالصورة التي هي عليها، وترتكب الاستيطان الذي ينعتُه بأنّه "المؤسّسة الأكثر إجرامية في تاريخ إسرائيل".
لنواصل هنا قراءته عن جنين ومخيّمها، عن الناس والمقاومين الشجعان هناك. كتب في يناير/ كانون الثاني الماضي (في "هآرتس" دائماً) إنّ المخيم "معسكرٌ شجاع، وحازم ومنظّم جيداً، ومشبع بروح قتالية، ربما لا مثيل له في التاريخ". يكتُب هذا بعد زيارةٍ (شخصية) إلى المخيم، تبعد عن زيارته السابقة أربع سنوات، ويضيف إنّه المكان الأكثر تشابهاً مع قطاع غزّة "من حيث روحه ومعاناته، يجد المرء الدفء البشري نفسه والشجاعة نفسها في هذا المخيم في جنين". ويختم، بعد مقاطع عن مشاهداتٍ ومشاعر: "لا يوجد منزلٌ هنا لم يعانِ من الفجيعة، ولا أسرة ليس فيها أحد أفرادها معاقٌ أو مسجونٌ بشكل دائم، عند مداخل المخيم ... بعد أن سرقت إسرائيل ما تبقّى من أرضهم".
المواجهة الفدائية التي كمُن فيها مقاتلون شجعانٌ أمس في جنين ضد جنودٍ إسرائيليين معتدين تؤكّد، مجدّداً، أنّ جرائم جيش الاحتلال ومستوطنيه هناك لن يمرّرها المقاومون كأنّها لم تكن، وتُنذر بأنّ الاستهدافات بالقتل الأعمى الذي توجّهه الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى صمود الأهالي وبسالة المقاتلين، والتي قضى فيها أمس ثمانية شهداء، لن تُضعف إرادة المقاومة، ولن تجعل اقتحامات الجنود الصهاينة واعتداءاتهم نزهات. وكان جدعون ليفي قد كتب، في مقال آخر في يناير/ كانون الثاني الماضي، "إن مسؤولية ما قد يحدُث في الفترة المقبلة بيد إسرائيل، وكل عملية انتقام جماعية بحق الفلسطينيين ستؤجّج النيران، وتزيد من تفاقم الأوضاع، حتى لو غذّت نهم اليمين الإسرائيلي".
لقد أكّد جدعون ليفي مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن قتل شيرين أبو عاقلة، فور الجريمة العام الماضي في جنين، وقال إن الصحفية الفلسطينية اغتيلت وهي تؤدّي عملها بشجاعةٍ لا يتحلى بها الصحفيون الإسرائيليون مجتمعين، والذين عليهم "أن يطأطئوا رؤوسَهم احتراماً لها وحداداً عليها". وقد قالها ليفي قبل سنوات، في أستراليا، إنّ على العالم أن يتوقّف عن اعتقاده بأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
يحسُن بنا - نحن المعلقين في الصحافة العربية - أن نقرأ جدعون ليفي، في مقالاته، عن جنين ومخيّمها (وغيرهما)، لما فيها مما يلزم أن نقرأ وأن نعرف. حسنٌ منا ألّا نكون كما ولديه ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش وأقرانهم، لا يقرأونه.