لئلا تصبح تونس تحت الوصاية الأوروبية

13 فبراير 2018
+ الخط -
مرة أخرى، تتلقى تونس ضربة موجعة من حلفائها الأوروبيين. صنفوها، في البداية، ضمن قائمة الدول المتهمة بأنها ملاذ ضريبي، ولم يخرجوها منها إلا بعد أن أثبتت ما ينفي ذلك. ولم تمض سوى فترة وجيزة، حتى وجدت نفسها مرة أخرى ضمن قائمة سوداء للدول الأكثر عرضةً لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وهو ما زاد من اضطراب الطبقة السياسية، وجعل الجميع يتساءلون في حيرةٍ عن النيات الحقيقية للاتحاد الأوروبي في علاقته بتونس. وقد بلغ الأمر بقادة الجبهة الشعبية اليسارية أن دعوا إلى ضرورة البحث عن حلفاء جدد من خارج الإطار الأوروبي. واعتقد آخرون أن هناك نية لمواصلة الضغط على تونس، من أجل أن تقبل بشروط الاتحاد الأوروبي في المفاوضات الجارية منذ فترة، من أجل إبرام اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق الذي يهدف إلى اندماج كلي للاقتصاد التونسي في الفضاء الأوروبي، بما في ذلك القطاعات الأكثر حساسية بالنسبة لتونس.
لا تستطيع تونس اليوم أن تغير شركاءها بالطريقة التي يريدها بعضهم. فهي محكومةٌ بالجغرافيا والتاريخ والمصالح المتشابكة بينها وبين دول عديدة في جنوب أوروبا، وإن كان هذا الأمر لا يتعارض مع سياسة توسيع دائرة الشركاء، وهي سياسة أصبحت تفرض نفسها الآن أكثر من أي وقت مضى.
قد نجازف في القول إن حاجة تونس إلى أوروبا تضاعفت بعد الثورة، حتى بدا أن الطريق الوحيد الممكن حاليا أمام التونسيين هو التقدّم نحو تحقيق اندماج أكبر وأوسع داخل الفضاء الأوروبي، شريطة أن يكون ذلك مصحوبا بالسعي، قدر الإمكان حتى تكون الكلفة مقدورا عليها، وألا يؤدي هذا الاندماج إلى الإجهاز على ما تبقى من مقومات السيادة الوطنية، تحت ضغط رأسمال الجشع.
تبدو تونس، في هذا السياق، شبيهة بتركيا التي راهنت على أن تصبح عضوا كامل الحقوق في الاتحاد الأوروبي. وحتى تتم تلبية جميع الشروط المطلوبة، لجأ الأتراك إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية وتشريعية وإدارية ضخمة، وأحيانا قاسية. وقد نتجت عن ذلك هذه الطفرة التي يمر بها حاليا الاقتصاد التركي.
تسير تونس على الخطى نفسها، لكن بارتباك وخوف، فهي لا تملك مقومات الاقتصاد التركي، ولا قدراته، وليس لديها الحجم والوزن الديمغرافي والموقع الاستراتيجي. ومع ذلك، تملك خصائص عديدة تجعل الأوروبيين يحرصون على أن يجعلوا منها "شريكا" استراتيجيا.
إن حالة عدم الاستقرار السياسي، وضعف القدرة على المنافسة، وتراجع دور الدولة، وتفاقم مؤشرات الأزمة الاقتصادية، وتعاظم المخاطر الأمنية، وهشاشة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد منذ الثورة، جميعها عوامل معقدة تجعل تونس في وضعٍ مختلٍّ، لا يسمح لها بهامش واسع من المناورة والضغط. ولهذا السبب، ترى الحكومات التي تعاقبت أخيرا متردّدة، لأنها محاصرة من جميع الجهات، وخصوصا من قسمٍ واسعٍ من المجتمع المدني، وفي مقدمته الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عبر عن توجسه من رغبات رأس المال الأوروبي الذي لا يرى في تونس سوى سوقٍ يجب إلحاقها وإخضاعها لحاجياته، من دون مراعاة مصالح قوى الإنتاج المحلية.
ما يثير قلق الأوروبيين هو ضعف الاقتصاد التونسي، نتيجة تأخر الإصلاحات الجذرية. والإصلاحات أنواع، منها ما يستطيع الاقتصاد المحلي والبنية الاجتماعية تحمله، ومنها ما ستكون له تداعيات خطيرة على البلاد والعباد.
الوجه الآخر من المخاوف الأوروبية هو تعاظم الفساد في تونس، وتمدد شبكاته داخل الدولة وخارجها. وتعبر شبكة تهريب العملة داخل البنك المركزي آخر ما تم اكتشافه. لقد أصبح البلد مفتوحا على مصراعيه، وهناك قوى خفية تعمل في كل اتجاه من أجل السيطرة عليه وعلى مقدراته. ويكفي متابعة ما ينشر في وسائل الإعلام المحلية، حتى يدرك المتابع للشأن التونسي أن المخاطر أصبحت عالية جدا. ومن هنا، جاءت القوائم السوداء التي تلاحق تونس من كل الجهات.
حتى لا تجد تونس نفسها تحت الوصاية الأجنبية، عليها أن تتجاوز مرحلة الارتجال، وتأخذ زمام أمورها بيدها قبل فوات الأوان.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس