كوريا الشمالية تمهّد لتأنيث الزعامة

24 فبراير 2023

شاشة في سيول تظهر كيم جونغ - أون وابنته أمام عرض عسكري في بيونغ يانغ (9/2/2023/فرانس برس)

+ الخط -

إذا كنتَ كوريا شماليا، واسم ابنتك كيم جو- إيه، فمطلوب منك تغييره على الفور، ليصبح هذه الاسم قاصرا فقط على ابنة الزعيم كيم جونغ - أون التي صدرت خمسة طوابع بريدية تحمل صورتها بصحبة الأب الزعيم، ما يرجّح أنها المرشحة للزعامة مستقبلا، خصوصا وأن الأضواء باتت تنحسر عن عمّتها القوية كيم يو- جونغ.
يعدّ الشأن العام لكوريا الشمالية صندوقا من الأسرار محكم الغلق، أما الشأن الخاص المتعلق بحياة زعيم البلاد فهو سرّ الأسرار، لا يظهر منه إلا ما تريده الزعامة الكورية الشمالية، ويحمل، في الغالب، رسائل مشفّرة، محمّلة بالرموز، ما يفتح الباب واسعا للاستنتاجات والتفسيرات والترجيحات. وما رشح، أخيرا، يشي بأن الزعيم يمهّد الطريق أمام ابنته كيم جو- إيه التي تصفها وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية بـ "الابنة المحبّبة" للزعيم، وما لبثت أن رفعت مكانتها إلى "الابنة الغالية المحترمة"، كما خلعت عليها وصف "الابنة النبيلة"، ما يدفع المراقبين إلى اعتبارها "رمزا للجيل المستقبلي"، يمهّد له أبوها حاليا باصطحابها المتوالي في مناسباتٍ كبرى.
وفي إطار هذا التمهيد لـ "الابنة المحبوبة والمحترمة والنبيلة"، نقلت إذاعة آسيا الحرة، في 14 فبراير/ شباط الحالي، عن مصادر كورية شمالية رفضت ذكر اسمها القول إن الحكومة في بيونغ يانغ تجبر حاليا كل من يحمل اسم كيم جو- إيه على تغييره.
وتستشهد المصادر بحالاتٍ وقعت بالفعل قبل أسبوع في مدينة تشونغ جو شمال غرب البلاد، حيث استدعى المسؤولون هناك والدي كل من يحمل اسم ابنة الزعيم في المنطقة إلى مكتب الحكومة المحلية هناك، لاختيار أسماء جديدة لأبنائهم، وتحديث شهادات ميلادهم. وفي مقاطعة بيونغان الجنوبية، شمال العاصمة بيونغ يانغ، أبلغت وحدات المراقبة السكان هناك أن أمامهم مهلة حتى نهاية الأسبوع، لتغيير أسماء من يحمل اسم ابنة الزعيم. ومن المفارقات أن اسم ابنة الزعيم لم يجر الكشف عنه رسميا بعد، وجاء الكشف عن اسم كيم جو- إيه من المخابرات الكورية الجنوبية. كما سبق وذكره أيضا نجم كرة السلة الأميركي السابق، دينيس رودمان، الذي زار كوريا الشمالية في عام 2013، والتقى بوالدها الزعيم. وتنقل وسائل إعلام إقليمية عن مصادر كورية شمالية القول إن المواطنين هناك لم يعرفوا اسم كيم جو- إيه إلا في الأشهر التي أعقبت ظهورها العلني الأول في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، وبدأ المسؤولون الحكوميون يتحدّثون عنها.
يوضح العارفون باللغة الكورية أن الأسماء الكورية تتكوّن من ثلاثة مقاطع، أحدها للكنية، واثنان للاسم المُعطى، وعادة ما يتم تشكيل الأسماء المُعطاة عن طريق اختيار حرفين صينيين لمعانيهما. والأحرف المتعدّدة لها النطق نفسه في اللغة الكورية، لذلك لا مفرّ من أن يكون لكوريين عديدين اسم معين يجري نطقه بالطريقة نفسها. ويفيد المتابعون للشؤون الكورية بأن إجبار الناس على تغيير أسمائهم لأنهم يشاركونها مع أحد أفراد الأسرة الحاكمة قد حدث ثلاث مرّات أخرى في تاريخ كوريا الشمالية، وفي كل مرّة كان السبب أن هذه الأسماء تتشابه مع الزعماء بدءا من الجد المؤسّس كم إل سونغ (15 أبريل/ نيسان 1912 – 8  يوليو/ تموز 1994)، مرورا بابنه كيم جونغ إل (16 فبراير/ شباط 1941 – 17 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، وصولا إلى الحفيد والزعيم الحالي كيم جونغ - أون. وعلى النقيض مما عليه حالة من تتشابه أسماؤهن مع اسم ابنة الزعيم الشمالي، لم تجبر كوريا الجنوبية أيا من مواطنيها على تغيير أسمائهم، فكوريات جنوبيات عديدات يحملن اسم بارك جيون هاي تقدّمن صيف عام 2017 بطلب لتغيير أسمائهن لإبعاد أنفسهن عن رئيسة البلاد التي تحمل الاسم نفسه، والتي ثبت تورّطها في فضائح فساد في ذلك الوقت، وجرى مساءلتها وعزلها من منصبها وسجنها في مارس/ آذار من ذلك العام.
وبالتزامن مع الحديث عن أفراد ابنة زعيم كوريا الشمالية بالاسم، أصدرت بيونغ يانغ ثمانية طوابع بريدية جديدة، وتحمل صور تفقد الزعيم كيم جونغ - أون" إطلاق صاروخ "هواسونغ-17″ الباليستي العابر للقارّات في 19 نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، خمسة منها تظهر الزعيم وابنته كيم جو-أيه معا، وظهرت الابنة ممسكة بيد أبيها وتقف معه لالتقاط صورة تذكارية مع جنود الجيش الشعبي، وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها على طوابع. وجاء هذا وسط سلسلة خطوات كوريا الشمالية لتقديس شخصية ابنة الزعيم. وظهر حصان أبيض يبدو أنه لكيم جو- إيه في العرض العسكري بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس الجيش الشعبي الكوري.  وكان الظهور الأول للابنة أواخر العام الماضي، حين كشفت وسائل الإعلام الكورية الشمالية عن صورها مع أبيها وهو يتفقّد لاختبار إطلاق "هواسونغ-17". وذكرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية حينئذ أن كيم جونغ- أون أشرف على إطلاق الصاروخ مع "ابنته الحبيبة" وزوجته ري سول جو. ومنذ ذلك الحين، توالى ظهور الابنة مع أبيها في مناسبات وطنية مختلفة.
وبقدر تسليط الأضواء على ابنة الزعيم، بقدر انحسارها عن شقيقته الصغرى كيم يو- جونغ، الشخصية القيادية الثانية في البلاد، والتي سبق وتردّد اسمها في المحافل الغربية، باعتبارها المرشّحة المحتملة لخلافته، حين تواترت الأنباء عن مرضه في ربيع عام 2020. وفي تحليل لشريط فيديو للعرض العسكري الذي أقامته كوريا الشمالية، أخيرا، بمناسبة الذكرى السنوية الـ 75 لتأسيس الجيش، تم رصد لقطات مصوّرة قد ترمز لتغيير مكانة كيم يو- جونغ نائبة مدير إدارة اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري.
وفي فيديو العرض العسكري الذي كشف عنه التلفزيون المركزي الكوري الشمالي في 14 فبراير/ شباط الجاري، ظهرت لقطات لابنة الزعيم وهي تصرّفت بتلقائية، حيث سارت مع والدها على السجادة الحمراء في أثناء تفقّد حرس الشرف، ولمست وجه والدها في منصةٍ في أثناء مشاهدة العرض العسكري. أما الشقيقة كيم يو- جونغ فقد ظهرت خلال العرض في زاوية، حيث يقف حرس الشرف، ما يرمز لتغيير مكانة العمّة. وترى وسائل إعلام غربية أن الكشف عن ابنة الزعيم يهدف إلى طمأنة زوجته ري سول- جو التي تشعر بمخاوف من مكانة شقيقته كيم يو- جونغ المستشارة الموثوقة لشقيقها، والتي سبق ولعبت دورا رئيسيا خلال الأزمة بين الكوريتين العام الماضي، وبلغت ذروتها بتفجير كوريا الشمالية مكتب اتصال مشترك عند جانبها من الحدود، الأمر الذي يتطلب مراقبة دقيقة لطبيعة مكانتها الأيام المقبلة، وما إذا كانت ستتغير أم لا.
ويرى مراقبون من كوريا الجنوبية أن الظهور الأول لابنة الزعيم قبل أربعة أشهر نُسّق لإبرازها كجزء من الأسرة الحاكمة الأصيلة لمؤسس كوريا الشمالية، كيم إل سونغ، على الرغم من أنها طفلة في العاشرة من عمرها. وفي تعليقات سابقة لوزير الوحدة في كوريا الجنوبية، كوان يونغ سيه، على الظهور الأول لابنة الزعيم الشمالي، قال "تهدف كوريا الشمالية من ظهورها إلى إرسال رسالة إلى المجتمع الكوري الشمالي والمجتمع الدولي، يفيد بأن إطلاق الصاروخ العابر للقارّات حدث من الحياة اليومية العادية". ويرى خبراء أن ابنة كيم ظهرت كـ "رمز للجيل المستقبلي". وقال رئيس جامعة دراسات كوريا الشمالية، يانغ مو جين "إن ظهور ابنة كيم يحمل معنى أن التسلح النووي فقط يضمن مستقبل الجيل القادم"، وظهورها أمام المساهمين في تطوير الصاروخ المعني هو "رسالة موجهة إلى الجيش للحفاظ على السلالة الأصيلة للبلاد". ويرى مراقبون أن الغرض من ظهور ابنة الزعيم رفع مكانتها وهيبتها عضوا من الأسرة الحاكمة، كما يعتبرون ظهورها مفيدا لإرسال رسائل إلى الداخل والخارج.
الخبرة التاريخية في كوريا الشمالية منذ تأسيسها على يد الجد كيم إل سونغ في 1948، والذي حكمها 46 عاما، هي انتقال الزعامة من الأب إلى الابن، فهل سيكون الانتقال مستقبلا من الأب إلى الابنة لتصبح أول زعيمة لكوريا الشمالية؟ لا يمتلك أحدٌ الإجابة عن هذا السؤال، لكن الحديث عن خلافة كيم جونغ- أون الذي ورث الزعامة عن أبيه يظلّ سابقا لأوانه، ويتردّد حين يصاب بوعكة صحية كالتي ألمت به قبل أكثر من عامين.

6B4E8F4D-DFEC-4583-B82C-BC116C2F97BA
مجدي مصطفى

كاتب وصحفي من مصر