قلت: السيطرة على غرب الأردن؟
بدا لافتاً الزّخم الدولي في اليومين الماضيين باتحاه الدفع إلى حلّ الدولتين لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزّة من جهة، ولإنهاء انعكاسات عدم معالجة القضية الفلسطينية على المحيط الإقليمي والدولي من جهةٍ أخرى. لم يكن الأمر ليتطلّب استشهاد أكثر من 25 ألف فلسطيني في غزة، منذ 7 أكتوبر، ولا سقوط أكثر من 370 شهيداً في الضفة الغربية المحتلة، ليعود المجتمع الدولي إلى هذا الحلّ. في عالم مثالي، وفق مفاهيم الأمم المتحدة تحديداً، كان يُمكن تفادي كل ما عاشه الفلسطينيون منذ 1967، لو طُبّق حل الدولتين في حينه. كما أنه كان يمكن ألا تصل الأمور إلى هذا الحدّ في فلسطين، لو أنه بالأساس لم يداوِ الألمان خصوصاً، والأوروبيين عموماً، وقبلهم البريطانيون، عقدة ذنبهم التاريخية ومصالحهم السياسية، بدعم إنشاء دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
في الوقت الحالي، عاد الغرب إلى حلّ الدولتين، بالتزامن مع رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سقف التحدّي، واعتباره أن من الضروري لإسرائيل بسط السيطرة الأمنية على كامل المناطق الواقعة غربي الأردن، أي كل فلسطين التاريخية. يعتبر نتنياهو، لا وحدَه فقط، بل كل المعسكرات السياسية الإسرائيلية، أن الواقع الأمني للاحتلال يفترض أن يحكُم المجتمع الفلسطيني، سواء بوضعيته الحالية، أو وفقاً لدولة فلسطينية كاملة. بالتالي، يُشبه منطق قيام دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، بحدّه الأدنى، السكن في منزل من دون أبواب، ما يسمح للصوص بدخوله.
لا يمكن لأيّ حلّ دولتين أن يستقيم من دون العناصر البديهية لأي دولة، والسلاح أولها. لا يعني ذلك أسلحة دمار شامل، بل يعني أيضاً أن من حقّ الفلسطينيين في دولتهم امتلاك جيش جاهز للتصدّي لأي محاولةٍ مستقبليةٍ إسرائيلية، لفرض وقائع مغايرة لما قد يتم الاتفاق عليه حين تولد هذه الدولة. يعود ذلك إلى أن الإسرائيلي عادةً هو آخر من يلتزم بأي اتفاقٍ، مهما كان ثانوياً. رفض الالتزام باتفاق أوسلو، وقبله وبعده، ودائماً ضمن تبريراتٍ غير منطقية. يريد الإسرائيلي أمراً واحداً في كل اتفاق، وهو عدم الإبقاء على فلسطيني واحد في فلسطين التاريخية، لا في غزّة والضفة فقط، بل أيضاً عرب 1948. يتعامل الإسرائيلي على قاعدة أن اتفاق اليوم قد تزيله دماء الغد، خصوصاً أنه كان السبّاق في النكث بتواقيعه، والإخلال بتعهداته، ضارباً عرض الحائط بكل مبادئ الأخلاقيات السياسية وغيرها.
وإذا أراد نتنياهو أو غيره فرض أمر واقع مختلف في غرب الأردن، وفق قوله، فلم يؤدّ ذلك فقط إلى استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، بل أيضاً إلى توسيع نطاق المقاومة، وتزايد عجز حلفاء الاحتلال عن إيجاد مسوّغات تدعم حججه في وجه الفلسطينيين. والسيطرة الأمنية على المناطق الفلسطينية تعني حكماً مضاعفة مساحة أكبر المعتقلات الإنسانية في تاريخ الحديث، بعدما كانت مقتصرة على غزّة، لتشمل كل أرض ذات سيادة فلسطينية.
غير أن أمام نتنياهو معضلة أساسية: الفلسطينيون. هل يقبلون بذلك؟ بالطبع لا. صحيحٌ أن هناك من قد يقبل، وأن هناك من يدعو إلى التفاوض، لكن أيضاً فإن ما فعله الاحتلال بقطاع غزّة خلال 17 عاماً من الحصار، تحديداً لجهة تحفيزه المقاومة بصورة غير مباشرة، فإن ذلك سيتمدّد إلى كل المناطق الفلسطينية، ما يجعل حياة الإسرائيليين جحيماً. هل هم على استعدادٍ لذلك؟ على الإسرائيليين أن يفهموا شيئاً محورياً هنا، ففي قولهم إنهم يقاتلون من أجل الوجود، فإن الفلسطينيين سيخوضون مثل هذه الحرب، لأنهم بلغوا مكاناً لا يمكن فيه لأي أحدٍ تهجيرهم، مثلما حدث في الماضي.
كما أن السيطرة على مناطق غرب الأردن صعبة، يكفي أن السيطرة على غزّة لا تنجح، ويكفي أن السيطرة على باب مدخل مكتب حكومي لم يكن ناجعاً، خلال صدام رجال نتنياهو مع رجال يوآف غالانت. الهروب إلى الأمام لا ينجح دائماً.