في رفض "11 سبتمبر"
دفعت شعوب منطقتنا أثماناً كبيرة، من دمائها، وممتلكاتها، وكرامتها، لقاء سكوتها عن الأحداث المتلاحقة التي عصفت بها عبر العصور، وما زالت تدفع كثيراً من هذه الأثمان، باطّراد.. ليس المقصود بالحديث عن السكوت، الآن، أن نلوم الناس، ونتمنّى لو أنهم ثاروا على مجمل الأوضاع التي لم يكونوا راضين عنها، فلو فعلوا ذلك لتعرّضوا لبطش شديد من السلطات الحاكمة التي لا بد أن تستقتل للبقاء على رأس السلطة، لأنها، في المجمل، سلطاتٍ غير شرعية. وعليه، إقدام الشعوب على الثورة يعني التضحية بكل شيء، في سبيل الخلاص من الأوضاع الشاذّة، والتقدّم من ثم إلى الأمام.
الثورات، من جهة أخرى، لا تحدُث بالتمنّي، أو بالمصادفة، بل تحتاج إلى وعي جَمعي، يُمَكّن الثائرين في مجتمع ما من تحديد أهدافهم، والسير بخطىً حثيثة نحو تحقيقها، فإذا تراكم الظلم والقهر والطغيان، وانفجر الناس، وخرجوا إلى الشوارع، من دون أن تتوفر لثورتهم مقوّمات النجاح، ولم تقف دول العالم الحر الديمقراطي المتمدّن إلى جانبهم، (مثلما حصل للثورة السورية)، سوف تستغل قوى مؤدلجةٌ غير وطنية الفرصة، وتمتطي صهوة الثورة، وتطرُد القوى المدنية الراغبة بالتغيير الحقيقي، ويصبح الصراع مع النظام المستبدّ سلطوياً بحتاً، وتتمزّق البلاد، ويتشرّد الشعب، ويحصل التغيير، أخيراً؛ ولكن نحو الأسوأ.
ما علاقة هذا الكلام بالحاضنة الشعبية؟ يعتقد كاتب هذه السطور أنها علاقة وثيقة، فقد كان حريّاً بالشعوب العربية والإسلامية، الشعوبَ أعني لا الأنظمة، أن تستنكر قتل المدنيين في أميركا، بعد 11 سبتمبر 2001، وتبعث إلى العالم رسائل حية، على هيئة مظاهرات احتجاج سلمية، وبيانات صريحة، تصدر عن المثقفين وهيئات المجتمع المدني، تركّز فيها على أن هذا العمل الإرهابي، ونسميه إرهابياً من دون تلكؤ؛ لا يمثلنا نحن العرب والمسلمين، ولا نؤيده، ولا نسوّغه، وندرك خطورته، ونتائجه السلبية علينا وعلى السلم في العالم.. وإن كان لدى شعبنا اعتراضات جوهرية على السياسة الأميركية تجاه قضايانا، وبالأخص قضية فلسطين، والأراضي السورية والمصرية والأردنية التي تحتلها إسرائيل، فإننا لا نناصب الشعب الأميركي العداء، ولا نرضى بأن يُقتل مدني أميركي واحد على أيدينا، أو بسببنا.
ولا بد أن يشمل الاحتجاج كل الأعمال الإرهابية التي ينفذها متطرّفون باسمنا، فور وقوعها، من اختطاف الطائرات، واقتحام السفارات، والتفجيرات الفظيعة التي كانت تستهدف ألوف المدنيين في العراق، (ضمن الحرب العبثية التي ما زالت محتدمة بين السنة والشيعة، مع الأسف).. إلى قتل أشخاصٍ هنا وهناك، ومهاجمة مقرّ صحيفة، أو إحراق سيارات للشرطة في عاصمة أوروبية، وصولاً إلى ضرورة استنكار الفتوى التي أصدرها في إيران في الثمانينيات آية الله الخميني بإباحة دم الكاتب سلمان رشدي، وكُلِّ مَن يترجم له، أو يطبع له، أو يتداول روايته، علماً أن بالإمكان الرد عليه، ودحض الأفكار التي وردت في روايته، ببساطة، وبطريقة سلمية، أو إهمال روايته، و"تطنيشها" كما يقول أهل بلادنا.. وكان على كل الشعوب الإسلامية، شيعية أو سنية، وبضمنها شعب إيران، أن تحتجّ على صدور الفتوى، وتطالب بإلغائها، ليس دفاعاً عن الرواية، بل عن ظهور هذه الشعوب بمظهر لائق.
ولكن؛ لو تتبعنا خط سير مواقف شعوبنا مما يجري على أرض الواقع، لوجدنا أن حتى السكوت المرجو لم يتحقق، فبعد وقوع أحداث سبتمبر، ظهرت أصوات مؤيدة لها، وأطلقت عليها اسم "غزوة مانهاتن". ولدى صدور فتوى الخميني خرج مؤيدوه إلى الشوارع بالملايين، وقُتل بعضهم بالتدافع، ونفذ متعصّبون موالون لنظام ولاية الفقيه قتلَ مترجم الرواية إلى اليابانية. وبدلاً من أن تلغي الدولة الإيرانية الفتوى، جرى تجديدها سنة 2017. وفي إحدى مناطق الشمال السوري، خرجت مظاهرة صغيرة، تأييداً للشاب الذي قطع رأس المدرّس الفرنسي، رفعت فيها صورته.