في خمسين رابطة الكتّاب الأردنيين
اكتمل يوبيلٌ ذهبيٌّ لرابطة الكتّاب الأردنيين. أي أن خمسين عاماً انقضت على ميلاد هذا التشكيل الثقافي (النقابي) الأهلي الذي يجمع في إهابه من استحقّوا أن يُسمّوا، بحسب لوائحه وأنظمته، كتّاباً، من أهل الفكر والإبداعات الأدبية والمنجزات الأكاديمية. ولئن حازت الرابطة سلطتها المعنويّة هذه عقوداً جعلتها الجهة المرخّص لها في البلد، عُرفاً، الاعتراف بالكاتب كاتباً، فلا تجاوز في قول من يقول إن الدنيا تغيّرت، وإن مفاعيل غير قليلة أحدثت تحوّلاتٍ عميقةً في طرائق التفكير والبناء المجتمعي والثقافي في الأردن اقتطعت من الرابطة العتيدة تلك المهابة، غير أن هذا لن يعني، في أيِّ حال، التبخيس من القيمة الخاصة للرابطة كياناً لا يجوز التفريط به، وتلزَم على الدوام حماية تمثيليّته واعتباريّته، أقلُّه تقديراً للإرث البهيّ الذي سطّرته الرابطة، في بقائها عنواناً تقدّمياً وديمقراطياً ومستقلاً، رابطت، عقوداً خمسةً، على ثوابت الدفاع عن الحرّيات ومناهضة المشروع الصهيوني ورفض التطبيع ودعم كل ثقافةٍ وطنيةٍ وكل إبداع. وليس منسيّاً أن السلطة أقفلتها بالشمع الأحمر سنتين ونصف السنة، في خواتيم الثمانينيات، و"زبّطت" كياناً آخر للكتّاب الأردنيين أنشأته، نازَع الرابطة على "شرعيّة" تمثيلهم، ولم يفلح (أظنّه ما زال قائماً)، ولم يعترف به الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، وانتسب إليه أعضاء من الرابطة، بعضُهم من مؤسّسيها!... ويُقال هذا التقريظ البديهي، من دون إغفال تحفّظاتٍ على مواقف جهرت بها الرابطة، وعلى عدم اتّخاذها مواقف أخرى. ما يعود إلى خيارات هيئاتٍ إداريةٍ منتخبةٍ تعاقبت على تسيير الرابطة. ولكن هذا لا يُلغي أن هذا الجسم الثقافي، الوطني الأردني، أمكن له التصدّي، بنجاح كبير في مراحل غير قليلة، وبنجاحٍ محدودٍ في ظروفٍ أخرى، لمحاولات إلحاقه بالسلطة وخياراتها في غير شأن. ومن هنا، يعني احتفال المثقفين الأردنيين بالعيد الخمسين لرابطة الكتّاب احتفالاً بقيم سياسيةٍ ووطنيةٍ وجماليةٍ، وبمؤسّسةٍ أهليةٍ ضمّت نخباً أردنيةً مثقفةً عريضة، من عدّة أجيال، فكانت، سيّما في مراحل انقضت، مختبراً لمنازعات أفكارٍ واصطفافاتٍ سياسيةٍ (وتنظيميّة) تنوّعت واختلفت وتنافست، خصوصاً لمّا كانت مساحاتُ الحرّيات العامة ضيّقة، وحساسية السلطة تجاه معارضاتٍ حزبيةٍ نقابيةٍ عالية.
قد لا يجد قارئٌ في الأردن، منشغلٌ بالشأن العام، ما يضيف إليه السرد أعلاه، شديد الإيجاز، جديداً، غير أن صاحب هذه الكلمات يجد دواعي غير قليلة لأن يعرف القارئ العربي عن رابطة الكتّاب الأردنيين أنها واحدة من ثلاث (أو أربع) من المؤسّسات الأهلية الثقافية في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب حافظت على مسافاتها الخاصة من السلطات في بلادها. وفي البال أن رؤساء وأعضاء منتخبين في هيئاتها الإدارية تولّوا مسؤولياتٍ عليا في السلطة، إلا أنهم انتصروا لاستقلال الرابطة وحيّزها المعنوي، فلا يُنسى أن الناقد خالد الكركي كان رئيسها لمّا أقدمت حكومة زيد الرفاعي، في 1987 على إغلاقها، ثم صودف أن صار وزيراً في حكومة مضر بدران التي أعادت نشاطها، فقدّم استقالته، إلا أن زملاءه رفضوها فبقي حتى الانتخابات التي جاءت بهيئةٍ إداريةٍ جديدة، وذلك تقديراً لصلابة موقفه من ذلك الإجراء العُرفي. ومن المستحقّ أن يُقال هنا إن رابطة الكتّاب الأردنيين، في كل سنواتها الخمسين، لم تتورّط مرّة في أي تزلّفٍ للحكم، وفي الوقت نفسه، لم تخاصم الدولة، أجهزةً ومؤسّسات، وظلّت، في الغالب، على علاقاتٍ ندّيةٍ (ومحترمة) معها، ولطالما أُخذ عليها ما اعتُبر تغليباً فيها للسياسي على الثفافي. وكابدت من نقص الإمكانات المالية، لتنفيذ مشاريعها وأنشطتها، وتنقلت من مقرٍّ إلى آخر، قبل أن تعود أخيراً إلى مقرّها "التاريخي" الأول في جبل اللويبدة.
جاء حسناً من "بيتنا"، نحن الكتّاب الأردنيين، إصدارها، أخيراً، كتاباً توثيقياً لمسارها "ذاكرة الياسمين" (إعداد محمّد المشايخ). وعلى ما عليه من ملاحظات، إلا أنه يفيد في التعريف بمحطّاتها، منذ كان إنشاء إطارٍ يجمع الكتّاب في البلد فكرةً تراود الروائي والشاعر تيسير سبول، ثم دفعتْها وفاتُه (منتحراً) إلى التحقق، بجهدٍ من 25 كاتباً اجتمعوا في منزل القاصّ عدي مدانات، الذي كلّف بكتابة مشروع النظام الداخلي، وتشكلت هيئة تأسيسية، ثم انتظمت الأمور قانونياً وعملياً. وتُختم هذه السطور برمي ألفٍ وردةٍ ووردةٍ إلى المؤسّسين الناشطين الأوائل الذين قاموا على الرابطة فكرةً ووجوداًً وحضوراً عامّاً، منهم محمود سيف الدين الإيراني وفخري قعوار وعبد الرحيم عمر ومحمد أديب العامري وسالم النحاس وعز الدين المناصرة وأسامة شعشاعة ومحمود السمرة وجمال أبو حمدان وسليمان الموسى وعيسى الناعوري وعبد الرحمن ياغي و... وغيرهم، رحمهم الله.