في أوهام بينت وغانتس
من يتابع تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، ومواقفه بشأن عقيدتة الجديدة للصراع ضد إيران، لا بد من أن يخرج بأحد أمرين: إما أنه لا خبرة حقيقية لهذا الرجل بالاستراتيجيات، وغير ملم بالواقع المعقد في المنطقة؛ أو أنه ببساطة ساذج، والسذاجة في أمور شديدة الخطورة مثل السياسات الاستراتيجية أمر خطر وعواقبه وخيمة.
في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، ربط بينت بين بناء اقتصاد قوي في إسرائيل وبناء قوة عسكرية كبيرة، ورأى أن الاقتصاد المزدهر هو الذي سيساهم في تعاظم القوة العسكرية التي ستؤدّي إلى الاستقرار الأمني الذي سيساهم في النمو الاقتصادي. وهو يعتقد أن "سر" ردع الأعداء وشلهم يكمن في "القدرات التكنولوجية". ويعطي نموذجاً على ذلك استخدام الجيش الإسرائيلي خلال عام منذ الآن منظومة اعتراضية للصواريخ تعتمد على الليزر، يقوم الجيش بتطويرها، وتشكّل رداً حاسماً وقليل التكلفة في التصدّي للصواريخ التي لدى حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، والتي في عهدة المليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامر طهران في العراق وسورية ووصولاً إلى اليمن. في رأيه، سيحلّ سلاح الليزر محل المنظومات الاعتراضية باهظة الكلفة، وسيشكل تحدّياً لقدرات إيران الصاروخية، ويمكن أن يشلها تماماً.
باعتقاد نفتالي بينت، سيحلّ سلاح الليزر محل المنظومات الاعتراضية باهظة الكلفة، وسيشكل تحدّياً لقدرات إيران الصاروخية، ويمكن أن يشلها تماماً
كما يرى بينت أن المواجهة لن تكون مع أذرع إيران في المنطقة، بل مباشرة مع "رأس الأخطبوط" الذي سيدفع الثمن. ونسأل: هل يريد أن يفعل ذلك من خلال منظومة الليزر؟ وهل فعلاً كما يدّعي بناء اقتصاد القوي قادر وحده على أن يبني القوة العسكرية المطلوبة للرد على الخطر النووي الإيراني الذي يوصف في إسرائيل بالخطر "الوجودي"؟
عقيدة نفتالي بينت التي ترى الاقتصاد القوي والمخترعات التكنولوجية دعامتين أساسيتين للقوة العسكرية، وتصوّره أن هذا يمكن أن يشكل الرد الاستراتيجي على التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، يعكسان صورة عن التفكير الجديد للزعامة السياسية في إسرائيل التي يعدّ بينت نموذجاً عنها، والتي تعتبر أن المال والتكنولوجيا هما الطريق إلى بناء القوة العسكرية. وليس هذا مستغرباً من سياسيٍّ مثل نفتالي بينت دخل معترك الحياة السياسية في إسرائيل في عام 2013، معتمداً، بصورة خاصة، على رصيده باعتباره رجل أعمال ناجحاً في مجال شركات المعلوماتية والهاي تك التي جنى منها أموالاً طائلة، فقد باع شركته الأولى في عام 2005 بمبلغ يقدر بـ 145 مليون دولار، وبيعت الثانية التي كان شريكاً فيها بما بين 100 و130 مليون دولار. وشغّلت شركاته إسرائيليين شباباً عديدين في مجال المعلوماتية والهاي تك. ولاحقاً، اعتمد بينت على هذا الجيل من الشباب قاعدة لشعبيته الحزبية.
صحيحٌ أن مواقف بينت السياسية تعكس، في نهاية المطاف، شعارات اليمين القومي، وهذا ما قاله صراحة، أخيراً، عندما تباهى بأنه أكثر يمينية من الذي سبقه، وأن دولة فلسطينية لن ترى النور قط خلال ولايته، ولن تُقتلع أي مستوطنة يهودية واحدة من الضفة الغربية، وأنه لن يتنازل عن حلمه بضم المنطقة ج إلى أراضي إسرائيل، ويستبعد أي نقاش لأفق سياسي مع الفلسطينيين، لأن ذلك سيشكل تهديداً على استقرار الائتلاف الحكومي الحالي، وأقنع الإدارة الأميركية بهذه الترّهات. في مقابل هذا التعنت الإيديولوجي، يبدو عاجزاً عن طرح استراتيجية بعيدة الأمد وعميقة، ويمكن أن تشكّل بديلاً للاستراتيجيات الإسرائيلية القديمة التي في حاجةٍ إلى إعادة نظر وتحديث حقيقيين، بحسب باحثين استراتيجيين عديدين في إسرائيل، كي تصبح أكثر ملاءمة للتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة. من هنا، يبدو كلامه عن عقيدةٍ جديدةٍ لمواجهة التحديات هو من باب الأوهام لا أكثر ويعكس مقاربة تبسيطية وغير حقيقية للواقع الفعلي وللمشكلات المعقدة التي تعانيها إسرائيل.
أقوال بينت تعكس مقاربة تبسيطية وغير حقيقية للواقع الفعلي وللمشكلات المعقدة التي تعانيها إسرائيل
والحديث عن الأوهام عند بينت يقود إلى كلام وزير الدفاع بني غانتس عن لبنان، وعرضه على الجيش اللبناني، من خلال قيادة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة والعاملة في الجنوب (اليونيفيل)، تقديم مساعدة له لتخطّي محنته التي هي جزء من الضائقة الكبيرة التي تعصف بلبنان كله. هل فعلاً يؤمن غانتس أن في إمكان إسرائيل، من خلال تقديمها مساعدة للجيش اللبناني، كبح الهيمنة الإيرانية وسيطرة حزب الله على هذا البلد؟ أقل ما يمكن أن يقال في ذلك إنه أوهام من نوع آخر، من المستغرب صدورها عن رجل عسكري مثل غانتس، شغل سابقاً منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ويعرف قدرات حزب الله العسكرية وخطر ترسانته الصاروخية، وعلى بينةٍ بالتركيبة الطائفية الهشّة التي يقوم عليها بلد مثل لبنان وتعقيدات وضعيه السياسي والاقتصادي.
اعتقاد بينت أن هزيمة إيران والمحور الذي تقوده ممكنة بواسطة استخدام تقنيات الليزر الاعتراضية، واعتقاد غانتس أن تقديم مساعدة إلى الجيش اللبناني سيلجم نفوذ إيران وحزب الله في هذا البلد دليل ساطع على سيطرة الأوهام على التفكير الاستراتيجي لدى الزعامة الإسرائيلية الحالية.