فرنسا وقضية الصحراء .. الاختبار الصعب
في الوسع اعتبارُ خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى ''ثورة الملك والشعب'' ترسيماً للانعطافة التي شهدتها الدبلوماسية المغربية في غضون السنتين المنصرمتين، في ما يبدو مراجعةً شاملةً للأسس التي قامت عليها، لا سيما إزاء دولٍ طالما اعتبرتها الرباط صديقةً وحليفةً لها.
قال الملك: ''إنّ ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعةَ الشراكات''. وتحدّث عن ''بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنّى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء''. لا يحتاج المرء إلى كبير فراسةٍ ليدرك أنّ الدولة المقصودة بكلام الملك هي فرنسا التي تربطها بالمغرب علاقات نوعية على مختلف الأصعدة. وفي وقتٍ شكّلت المواقف الأميركية والألمانية والإسبانية المستجدة بشأن نزاع الصحراء عائداً سياسياً، ما فتئت توظفه الرباط في تحالفاتها الإقليمية، يبدو الموقف الفرنسي، الذي يكتفي بدعم مقترح الحكم الذاتي (2007)، وقد تجاوزته الأحداثُ، على الأقل من منظور الرباط التي تنتظر تحولاً نوعياً في هذا الموقف، يقطع مع سياسة ''مسك العصا من الوسط'' التي تنتهجها باريس، وتسعى من خلالها إلى الحفاظ على علاقاتٍ متوازنةٍ مع المغرب والجزائر على حد سواء.
أربك اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء (2020) فرنسا، ووضعها في موقفٍ لا تُحسد عليه. وإذا كانت قد استمرّت، بعد ذلك، في المناورة بما لا يثير غضب البلدين الجارين، فإنّ الموقفين الألماني والإسباني المستجدّين بشأن قضية الصحراء قد سحبا البساط من تحت أقدامها. ومع تفجّر أزمة الغاز نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي النفوذين الروسي والصيني في أفريقيا، وتصاعد مشاعر العداء لفرنسا داخل المجتمعات الأفريقية بسبب سجلّها الاستعماري الأسود، مع ذلك كله تجد باريس صعوبة في إدارة تداعيات هذا الاضطراب الجيوسياسي الحاصل في محيط مصالحها التي يشكل المغرب رقما أساسيا فيها على الصعيدين، الاقتصادي والثقافي.
في السياق نفسه، يتزامن الخطاب الملكي مع الزيارة الرسمية التي بدأها اليومَ الخميس الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، في أفق التطلع، حسب بيان الإليزيه، إلى ''إعادة إحياء الشراكة بين البلدين، أو على الأقل السعي إلى تبديد الخلافات والتوترات''. ما يعني أنّ هذه الزيارة بمثابة مفتاح لما سيكون عليه الموقف الفرنسي من قضية الصحراء في المرحلة المقبلة؛ إنّه اختبار صعب لباريس، أمام التحدّيات التي تواجهها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، والتي تنذر بتراجع نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي المعلوم في هذه المنطقة.
تشهد العلاقات المغربية الفرنسية فتوراً واضحاً منذ مدة. وعلى الرغم من وجود أسباب أخرى لذلك، من قبيل الأزمة الناجمة عن التشدّد الفرنسي في منح التأشيرات للمغاربة الراغبين في دخول أراضيها وتنويع الرباط شراكاتها واصطفافاتها، خصوصاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وتركيا وروسيا، إلّا أنّ إصرارَ باريس على التموضع في الخانة الرمادية بخصوص قضية الصحراء وعدمِ التكيّف مع التحوّل في جيوبوليتيك الصراع يمثل، من المنظور المغربي، سبباً كافياً لهذا الفتور، وإن كانت الرباط، في ما يبدو، حريصة على ألّا ينتقل ذلك إلى طورٍ يهدّد علاقاتها التاريخية مع باريس.
يضع خطاب العاهل المغربي فرنسا أمام خيارٍ صعب، فمن جهة يمثل الغاز الجزائري، بالنسبة إليها، بديلاً لا مناص عنه في ظلّ أزمة إمدادات الغاز الروسي نحو أوروبا وتداعياتها، ومن ثم، قد يكون تجنّب إغضاب الجزائر أولوية فرنسية، على الأقل حالياً. ومن جهة أخرى، لا تبدو فرنسا مستعدّة لفقدان نفوذها في المغرب لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى. ولعل ما يتردّد بشأن مفاوضات جارية بين المغرب والصين من أجل إنجاز خط سككي، فائق السرعة، بين مراكش وأغاديـر قد يكون أحد الأسباب التي تجعل بدائلها محدودة في إدارة شبكة علاقاتها مع المغرب والجزائر بقدرٍ من التوازن.