فتح المعبر ... ستر العورة
"حماس السبب!!.. هذه هي أكثر المبرّرات خسةً التي يحاول البعض تبرئة "إسرائيل" بها، إنّ حماس سبب مجازر "إسرائيل" في غزة.. هذا اللغو الشائن يأتي من الرؤساء والملوك والمسئولين العرب الموالين لأمريكا ومن كثيرٍ ممن يكرهون الدين فيكرهون أي حركةٍ دينيةٍ أيًّا كانت وأينما كانت، وبصرف النظر والعقل عن سياق ما تكونه.
يتحدَّث البعض عن جرائم "إسرائيل" على طريقة "ولكن"؛ يدينها كأنه "بني آدم" وعنده دم، ثم سرعان ما يقول: "ولكن"- لكن إيه يا روح الوالدة- "لكن حماس هي السبب"، كأنه يقدم المبرِّرات والأعذار لقتل الأطفال والأبرياء والمدنيين من دولة عنصرية نازية محتلة وغاصبة".
السطور أعلاه ليست لي، هذه الكلمات المنفلتة غضبًا، حدّ البذاءة، ليست كلماتي، بل هي اقتباس من مقال للكاتب المصري، إبراهيم عيسى، قبل أن يتحوّل إلى صدى صوت للإعلام الصهيوني، العسكري منه والسياسي على السواء، كتبها عيسى في الصفحة الأولى من جريدة الدستور في 3 مارس/أذار 2008، عندما كان رئيسًا لتحريرها، إبان عدوان صهيوني على غزة في ذلك العام، وعثر عليه موقع "ذات مصر"، وأعاد التذكير به.
يختتم إبراهيم عيسى مقاله بهذه الفقرة: "فَهْمُنا أن الحكومات العربية تابعة ذليلة لـ"إسرائيل"، وفهمنا أنها عاجزة ومخصية عن أي فعل حقيقي دفاعًا عن نفسها وشرفها، لكن أن تصل الخساسة وقلة الأصل حدَّ أن نضع مسئولية المذابح الصهيونية والنازية على عاتق الضحايا والشهداء.. هل نساوي بين من يطلق مدفعًا وصاروخًا على من يحتله ويغتصب أرضه ويجوِّعه ويحاصره ويقتله ويذبح أطفاله.. هل نساويه بجرائم العدوان ومجازر المحتلين؟! قولوا لنا: دمكم فصيلته إيه؟! هل يمكن أن يكون دمًا بشريًّا فعلاً؟".
فعلًا يا عزيزي السؤال في محلّه، لكنه ليس للحكومات العربية فقط، بل ينبغي توجيهه لك شخصيًا قبلها: دمك فصيلته إيه؟! هل يمكن أن يكون دمًا بشريًا فعلًا؟.
يمارس إبراهيم عيسى نوعًا نادرًا من التصهين يضعه في غلاف فاخر من الوطنية الفاسدة، التي يذيّبها النظام الرسمي في مياه الشرب، ويبثها في قنوات الإعلام ويدّسها في أعمدة الصحف ومقدّمات برامج التلفزة، وهي بضاعة تروّج على نطاق واسع هذه الأيام وتقوم على فكرة إدانة الضحية وتحميله المسؤولية، لأنّه دافع عن وجوده، وعن وطنه وعن شرفه، بزعم أنّه لم يأخذ في الحسبان ميزان القوة بينه وبين المجرم، ليس هذا فقط، بل أنّ هذا الغائط الإعلامي والسياسي لا يتورّع عن إدانة الضحية على ردّ فعله الذي يجرح المعتدي.
لن يكون مهمًا هنا البحث في مقدمات عملية الخصاء الفكري التي أجريت للكاتب الهصور، فصنعت منه واحدًا من المروّجين للتصهين في الإعلام العربي، فالشاهد أنّ الرجل يردّد ما يريده الساسة العرب المشاركون في جريمة تدمير غزة وإبادة شعبها، وفي مقدمة هؤلاء ذلك الذي أشار على الكيان الصهيوني بتهجير الفلسطينيين قسريًا من غزة إلى صحراء النقب، حتى يتحرّك بحرية في عملية القضاء على المقاومة، التي أسماها الفصائل الإرهابية، ثمّ التزم في خشوع برغبة إسرائيل في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة حتى يخضع ويطلب التهجير إلى حيث يريدون، من دون أن يمتلك جسارة ومروءة الشقيق حين يجد شقيقه يُعتدى عليه حدّ الذبح، مكتفيًا بترديد النص الذي لا يتغيّر: لن نسمح بالتهجير إلى سيناء، معتبرًا أنه بذلك أدى واجبه كاملًا.
الآن، وبعد أن دخل العدو الصهيوني غزة واقترب من إكمال جريمته في التدمير الشامل والإبادة، قد تسمع عن فتح معبر رفح وإدخال المساعدات والمعونات واستقبال الجرحى في الأراضي المصرية، بعد 26 يومًا من المجازر والمذابح، وقد يسارع النظام الرسمي العربي إلى تبكير انعقاد ما تُسمّى القمة العربية المقرّرة في 11 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، وستسمع أصوات مزاد المساعدات المالية العربية لإعادة البناء والإعمار، غير أنّ ذلك كلّه لن يغيّر من الحقيقة الجارحة شيئًا، وهي أنّ النظام العربي كلّه شريك في الجريمة هذه المرّة، ليس من واقع تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها أنّ القضاء على حماس والمقاومة مطلب صهيوني عربي مشترك، بل من واقع أداء الحكومات العربية طوال أيام العدوان، حيث لم يجرؤ مسؤول عربي واحد على أن يعلن دعمه للمقاومة الفلسطينية، وأن يمتلك من النزاهة ما يمنعه من وضع حق، بل واجب المقاومة في الكفاح وحق الاحتلال في الاعتداء في كفة واحدة.
إذا كنتم صادقين في حزنكم على الشعب الفلسطيني حقًا اكسروا حصاره وادخلوا غزة، عالجوا أهلها هناك وزوّدوه بالمياه والوقود والغذاء، من دون أن تجبروه على النزوح، أقيموا مستشفياتكم هناك وسيّروا قوافل الأطباء والإغاثة... لكن كيف لكم ذلك، وأنتم لا تكفون عن إصدار رسائل نابية من نوعية الحكم عسكريًا بالسجن المشدّد لأحد رموز الإغاثة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وتدوير المحامية والعضو السابق بمجلس حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، وهي في العقد السابع من عمرها بقضية جديدة بعد خمس سنوات من الحبس الاحتياطي، واعتقال وسجن العشرات ممن صدّقوا دعوتكم الزائفة للتظاهر من أجل غزة؟.
ومثل كلّ مرّة يتبيّن أنّ الشعب في ناحية والنظام في ناحية أخرى، وهنا يسطع موقف الأزهر، الذي يعلن بشجاعة دعمه للمقاومة ببيان تاريخي يقول في فقرة منه: "تحية لكم أيها الأبطال وأنتم تواجهون بإيمانكم البوارج وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، وتتصدّون لها من منصّة الإيمان بالله غير خائفين ولا متذلّلين".