غرفة 207
كان خيالي في صغري يسرح في عالم الفنادق، وتخيّلت أن المرء حين يحظى بغرفة في فندق، فهو غالبا يتمتع بثراء فاحش، وذلك حسبما كنت أشاهد في الأفلام المصرية. ولم أكن أعرف أنني سوف أكون نزيلة في فندق رخيص مؤقتًا مثلا في استراحة سفر، إلا حين حدث ذلك فعلا، ولأول مرة، في رحلة بين غزّة والقاهرة، وحين زكّمت أنفي رائحة مواد التنظيف الرخيصة، بمجرّد أن دخلت الغرفة، واكتشفت أن أناسا كثرا سكنوها قبلي، فقد بدأت المفارش وأغطية الوسائد تفقد لونها الأصلي ولكنها نظيفة، وتفوح منها رائحة سائل الكلور المحظور صحيا، وثبت بالدليل القاطع أنه أحد أسباب الإصابة بسرطان المثانة.
في تلك الغرفة في فندق ما، تكتشف أن قصصا وحكايات قد دارت في ذلك الحيز قبلك. ولذلك يسرح خيالك قليلا، وتجذبك رواية تحمل رقم غرفة أو فيلم كذلك. ولذلك وقعت على رواية للكاتب المصري الراحل، أحمد خالد توفيق، وعنوانها "غرفة 207"، تدور الأحداث حول غرفة ملعونة في فندق يحمل اسم " فندق لونا" على شاطئ بحر مرسى مطروح في ستينيات القرن الماضي.
تأخذك أحداث الرواية، وتكتشف أن كل فصل منها حكاية منفصلة لغرفة في فندق تؤذي كل من يدخلها. وقد وجدت هذه الرواية طريقها إلى عالم الدراما بتحويلها إلى مسلسل من عشر حلقات، مدة كل منها ساعة تقريبا. وفي ذلك خروج عن النمط التقليدي لمسلسلات درامية تصيبك بالملل. والحقيقة أن تحويل عمل أدبي من الورق الى الشاشة عمل مستقل وليس هيّنا، فالمقارنة بين العملين، الأدبي والدرامي أو السينمائي، ستكون غير حيادية. ولذلك أحد أبطال المسلسل الذين جذبوا انتباهك، ويمكن أن تعدّه من اكتشافات غرفة الرعب، وهو الممثل الفلسطيني كامل الباشا، يؤكّد أنه لم يقرأ الرواية الأصلية، ورغم ذلك فمشاهد هذا المخرج والمؤلف والفنان القدير تعد أهم اكتشافات المسلسل من ناحية الأداء والتجديد الفني المنتمي للمدرسة التلقائية والطبيعية في التمثيل، حيث نلمس اعتماد كامل الباشا الأكبر على لغة الجسد من دون افتعال منه، صانعا "كاركتر" خاصا له، وبذلك فهو يعيد لنا أمجاد عمالقة هذا الفن، مثل صلاح منصور ومحمود المليجي وزكي رستم.
يسجّل نجيب محفوظ بأنه من أكثر الأدباء الذين حوّل نتاجهم الأدبي إلى السينما والتلفزيون، لكنه لم يكن يتدخّل في أي تغيير يجري إدخاله على عمل فني مأخوذ من أعماله الأدبية، ويترك الورق للمخرج وكاتب السيناريو، وهو مقتنع بأنهما يقومان بعمل إبداعي مكلف ومجهد، وبأدواتهما الخاصة المختلفة عن أوراقه، وأنهما سوف يبذلان جهدهما لنقل خياله، ولكن من خلال رؤيتهما الخاصة.
ولذلك، عندما تقرّر متابعة أحداث المسلسل يجب أن تتغاضى عن اتهام المؤلف باستيحاء فكرة الغرفة الغامضة من قصة حوّلت إلى فيلم لكاتب الرعب الأميركي، ستيقن كينغ، تحمل عنوان "1408". وقد قال أحمد خالد توفيق إنه حين كتب روايته لم يكن قد قرأ رواية ستيفن كينغ، والتي تتناول الأحداث نفسها تقريبا، وعليك أن تستمر في بهجتك، لأنك حظيت بمشاهدة مسلسل درامي يعتمد على شكلٍ جديد من التشويق والحبكة الفنية، بحيث يقدّم هذا المسلسل، بطاقمه الفني المتكامل، درسا في القدرة على صناعة عملٍ يعيد إلى الدراما المصرية خصوصا، والعربية عموما، قوتها، وأن هذا الاتجاه الجديد بعد تحويل رواية سابقة للمؤلف نفسه إلى مسلسل، وهو "ما وراء الطبيعة" ليس صعبا. وعلينا ألا نفقد الأمل بأن الدراما المصرية سوف تنهض من كبوتها، بعد أن فقدت حتى قدرتها على المنافسة مع الدراماتين، السورية والتركية، على سبيل المثال، بظهور الدراما الهزلية والمعتمدة على الاستخفاف بعقول المشاهدين، والكتابة التي تشبه سلق البيض، واستسهال النجاح الوهمي على حساب عقلية المشاهد واحترام الأسرة العربية.