عيد المختفين قسريًا
مؤلم هو العيد حين يمرّ على من غاب أحباؤهم عن العيد، سواء بالفقد الكلي، لشهداء وموتى، أو بالتغييب داخل السجون، لكن مهما كان حجم الألم فهو لا يعادل ألم عائلات المختفين قسريًا التي تعيش عذاباتٍ مضاعفة.
أهالي الراحلين عن الحياة متعايشون مع فكرة الفقد على وجهٍ من الوجوه، ففي العيد يتذكّرون الأحباب، ويحملون دعواتهم لهم في قلوبهم، أو يذهبون بها لزيارتهم في القبور، أو ينثرون ورودًا عليها، أو يسقون ريحانًا زرع هناك. كذلك ذوو المسجونين والمعتقلين، وطّنوا أنفسهم على أمل زيارتهم زيارة استثنائية لمناسبة العيد، أو تفاعلوا مع أحلام قرارات العفو، أو يشغلون أنفسم بحساب ما تبقى للأعزّاء وراء السجون، بغير حرية.
لكن الأمر مختلف والمعاناة أشد عند ذوي 12 ألف مواطن مصري في عداد المختفين قسريًا، بحسب تقارير صادرة عن منظمات حقوقية في العام الماضي 2021، إذ تفترس هؤلاء مشاعر هي أقسى من مشاعر الفقد والغياب، كونهم واقعين بين فكّي الرجاء واليأس، تسحقهم هواجس المصير المجهول، المخيف، حتى يكاد بعضُهم أن يعلن الاستسلام لها، ثم يستيقظون على حلم أو رؤية، أول قشعريرة أمل تمنحهم بعض اليقين بأن الأحبّة بخير في مكانٍ ما، لا يعرفونه، لكنهم عائدون.
ثم تتضاعف المعاناة، ويتمدد الألم بين الضلوع، حين يكون المختفي قسريًا قد ترك وراءه أطفالًا صغارًا، كبروا مع السنين إلى الحد الذي لم تعد تجدي معه روايات الأمهات والجدات عن سفر الأب إلى بلاد بعيدة لكي يعود إليهم محملًا بالهدايا واللعب.
وتصبح المعاناة نوعًا من العذاب والموت البطيء حين يصحو الجميع على فاجعةٍ مثل فاجعة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، الذي انتهت رحلة اختطافه وإخفائه قسريًا، ببيان رسمي مهين للمنطق وللعقل ولكل القيم الإنسانية، يقول إن جثته وُجدت في مؤسسة للعلاج النفسي، ثم يزعم أنه كان مريضًا نفسيًا.
هؤلاء لا تفكر فيهم لجان العفو الرئاسي، التي تشتغل على موضوع السجناء والمعتقلين، كما تشتغل الماشطات في وجه النظام العكر، أكثر من انشغالها بفكرة الحرية ورفع الظلم وإيقاف القمع والقهر. وبالتالي، تبقى قضيتهم مختفية قسريًا، مثل أكثر من عشرة آلاف شخص، هم ضحايا جريمة الاختفاء القسري، التي قالت عنها إنها "أصبحت مُمنهجة، وسياسة مُتبعة من الأجهزة الأمنية".
البيان الصادر عن مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان "JHR"، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان "SPH"، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان في العام الماضي أكد أن الاختفاء القسري "يقع على كافة شرائح المجتمع من المعارضين السياسيين بصورةٍ تحميها ممارساتٌ تشريعيةٌ وقضائيةٌ لا تحترم الدستور المصري، أو القوانين الوطنية.
في ذلك تبقى نكتة مناشدة رئيس هيئة الاستعلامات، ضياء رشوان، النائب البرلماني السابق مصطفى النجار بالظهور والعودة من الاختفاء القسري، هي بحد ذاتها جريمةٌ ضد الإنسانية، تشتمل على استخفافٍ شديد بحياة البشر، حين تلقي بالمسؤولية على الشخص المختفي قسريًا، وتبرّئ الأجهزة الأمنية، على الرغم من أن هذه الأجهزة تعدّ على المواطنين أنفاسهم، وتعلن ذلك بكل فخر في مسلسلاتها التلفزيونية، وتراقب دبّة النملة كما يقولون.
في منشور للصحافي المصري علي القماش عبر موقع فيسبوك أمس، يكشف أن زوجة الصحافي صلاح الإمام، المعتقل حديثًا بقرار تلفزيوني من زميله، ابن الدولة البارّ مصطفى بكري، تفاجأت بأن شركة "أوبر" لنقل الركاب حظرت حسابها، حين حاولت حجز سيارة تنقلها إلى معتقل أبو زعبل لزيارة زوجها قبل العيد، ثم عرفت فيما بعد أنها محظورة من كل الشركات الأخرى المشابهة لشركة "أوبر"، وكثير منها تتبع الأجهزة الأمنية، مباشرة، بل أن التطبيق الخاص بإحداها على الهاتف المحمول هو بالأساس نظام سيطرة على الموبايل ومراقبة صاحبه.
لكن حين يتعلق الأمر باختطاف مواطن وإخفائه قسريًا، تدّعي هذه الأجهزة العجز، وتتصنّع الإعاقة، وتتظاهر بالعمى، ولا تفعل أكثر من أن تناشد المخطوفين والمختفين قسريًا الظهور، على لسان رئيس هيئة الاستعلامات.
كل عام وعائلات المظلومين بخير، مع الاعتذار عن إزعاج السادة المشاركين في الاحتفال بالنظام الذي يفيض إنسانيًة ورحمة على عموم الشعب المصري.