عن معركة إسطنبول الانتخابية الكبرى

13 يناير 2024

مرشح حزب العدالة والتنمية مراد كوروم في اتخابات بلدية إسطنبول (7/1/2023/الأناضول)

+ الخط -

في انتخابات محلية تبدو أكثر أهمية وحساسية من كل سابقاتها، وبعد موافقة الهيئة العليا للانتخابات التركية، على خوض 36 حزباً سياسياً للانتخابات البلدية المزمع تنظيمها في 31 مارس/ آذار المقبل، بعد تحقيقها النّصاب القانوني، يبدو أنّ المعركة على رئاسة البلديات الكبرى ستكون عنواناً سياسياً عريضاً في الفترة المقبلة بعد اكتسابها بُعداً سياسياً كبيراً تجاوز، في الواقع، طبيعة الانتخابات المحلية، ومن يتتبع المشهد الداخلي التركي الحالي، وما تستقطبه هذه الانتخابات من تحالفاتٍ حزبيةٍ ومعارك كلامية، يُدرك مدى أهمية هذه الانتخابات وحساسيتها، خصوصاً في ظل حالة الاستقطاب السياسي المرتفعة جداً في البلاد.

في ما يتعلّق بمعركة إسطنبول الانتخابية، تكتسب أهمية بارزة في السياسة الداخلية، ليس فقط بسبب الثقل الديمغرافي للمدينة التي يقطنها 16 مليون نسمة، ولا الثقل الاقتصادي بإسهام ضرائبها بـ 40% من ميزانية الدولة، ومسؤوليتها عن 27% من الناتج المحلي الإجمالي، بل أيضاً بسبب تأثيرها القوي في ديناميكية السياسة الداخلية التركية، وخصوصاً بالنسبة لأكبر حزبيْن في تركيا، العدالة والتنمية الحاكم، والشعب الجمهوري المعارض.

بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، تأتي أهمية هذه المدينة ورئاسة بلديتها الكبرى من عدّة نقاط، أهمها أنّ رئاسة هذه البلدية تحتل رمزية كبيرة للرئيس التركي، أردوغان، وحزبه، باعتبارها كانت مفتاحاً للحياة السياسية لهما، لذا تعد مسألة استعادة المدينة، بعد خسارتها لمصلحة المعارضة في انتخابات عام 2019، أولوية قصوى لدى الرئيس التركي وحزبه، وخصوصاً بعد نجاح الحزب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة قبل أشهر عدّة، يُضاف إلى ذلك أنّ حسابات أردوغان وحزبه في هذه الانتخابات لا تتعلّق فقط بالبُعد الوجداني للمدينة ورئاسة بلديتها، بل تتعلّق أيضاً بالحسابات السياسية اللاحقة، ففوز أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول للمرة الثانية على التوالي يعني أنّه سيكون المرشّح الأوفر حظّاً لتولّي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية عام 2028، وهو ما لا يريده أردوغان وحزبه، لذلك لم يكن عبثياً تأنّي أردوغان في تسمية مرشّحه لهذه الانتخابات بعد خسارة الحزب الفادحة في انتخابات 2019، فاختيار مراد كوروم مرشّحا منافسا لأكرم إمام أوغلو، يرجع لعدّة أسباب، أهمّها عمره وقدرته على منافسة أوغلو في مخاطبة شرائح الناخبين، وخصوصاً شريحة الشباب واستقطابها للتصويت لمصلحة "العدالة والتنمية" بعدما صوّت جزء كبير منها في الانتخابات السابقة لإمام أوغلو، تُضاف إلى ذلك خلفية مراد كوروم المهنية وخبرته في الشؤون المحلية (المدير العام لشركة الإسكان العقارية الحكومية "توكي"، ووزير البيئة والتطوير العمراني)، والتي ستُعظّم من فرص نجاحه في حال تمكّن من تقديم نفسه شخصية قادرة على التعامل مع مشروع التحوّل العمراني، الذي يعد التحدّي الأكبر الذي يواجه إسطنبول المكتظّة بالسكان والأبنية، سيّما في ظل الأخبار المتداولة عن زلزال إسطنبول المدمّر المرتقب، بعدما فشل إمام أوغلو خلال رئاسته لبلدية إسطنبول الكبرى في تنفيذ أيّة احتياطات ضد الزلزال المرتقب، أو تحقيق أي تحسيناتٍ جديدةٍ في البنية التحتية، كالنقل أو المياه الصالحة للشرب.

الفوز ببلدية إسطنبول سيكون له دور حاسم في تحديد المستقبل السياسي لإمام أوغلو وحزبه في المستقبل

 

وبالنسبة لحزب الشعب الجمهوري المعارض، أهميّة هذه المدينة ورئاسة بلديتها تُعتبر مقياساً مهمّاً لاستمرار زخم المعارضة الجديد في السياسة الداخلية التركية، مقابل تراجع مكانة "العدالة والتنمية" الحاكم فيها، وبالتالي، يرى الحزب من خلال هذه الانتخابات فرصة لإبقاء سيطرته على بلدية إسطنبول الكبرى، وبالتالي تثبيت دوره في الحياة السياسية الداخلية التركية منافسا أول لحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، سيما وأنّ هذه الانتخابات تعد أوّل انتخابات للحزب في عهد رئيس الحزب الجديد أوزغور أوزيل، الذي تولّى المنصب، خلفاً لكمال كلجدار أوغلو، بعد هزيمته أمام أردوغان في الانتخابات الرئاسية قبل أشهر. يُضاف إلى ذلك طموح أكرم إمام أوغلو لإعادة انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى، والتي ستقوده إلى الفوز في انتخابات الرئاسة عام 2028، وبالتالي، هناك اعتقاد بأنّ الفوز بهذه البلدية سيكون له دور حاسم في تحديد المستقبل السياسي لإمام أوغلو وحزبه في المستقبل.

وبالتالي، تجذب معركة إسطنبول الانتخابية الكبرى الاهتمام الداخلي وحتى الخارجي بقدر أكبر من المدن التركية الأخرى، كون معركتها تكتسب بُعداً سياسياً كبيراً يتجاوز طبيعة الانتخابات المحلية، لذا يرى محللون عديدون أنّ التحالفات الحزبية في هذه المدينة بالذات ستلعب دوراً مهمّاً في تحديد ديناميكية المنافسة الانتخابية فيها، أي أنّ الرهان الأساسي لهذين الحزبين المتنافسين بالفوز في هذه المعركة الكبرى سيقوم على التحالفات الحزبية، وهو ما سيصبّ في مصلحة مرشّح حزب العدالة والتنمية، الذي سيخوض الانتخابات ضمن جبهة موحدة على غرار التحالف في انتخابات مايو الماضية، وفي غير مصلحة مرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي سيفقد أصواتاً وازنة بعد تفكّك تحالف الطاولة السداسية المعارض وخوض أحزابها الانتخابات بشكلٍ منفردٍ. وفي النهاية، الكلمة الأخيرة للشعب التركي، فإما أن يمنح المعارضة خمس سنوات إضافية لإدارة إسطنبول، أو يعيدها إلى كنف الحزب الحاكم.