عن قيود الاحتلال الجديدة على دخول الأجانب

08 سبتمبر 2022
+ الخط -

حاولت سلطات الاحتلال، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، فرض قيود عبر أوامر عسكرية على دخول الأجانب إلى جامعات الضفة الغربية، سواء بهدف الدراسة أو التدريس. وقاومت إدارات الجامعات والحركة الطلابية الأمر العسكري الاحتلالي في ذلك الوقت، عبر إثارة القضية في الرأي العام وتكتيل منظمات حقوق الإنسان وحركات التضامن الشعبي في العالم إلى جانب الفعاليات الشعبية في الجامعات من مظاهرات وإضرابات وبمشاركة فاعلة من الأجانب الذين كانوا موجودين في الجامعات في ذلك الوقت.

تعمم وجود الأجانب ونشاطهم إلى خارج الجامعات، ليشاركوا المتظاهرين الفلسطينيين فعاليات المقاومة الشعبية في مناطق عديدة (بلعين، نعلين، المزرعة، كفر قدوم، بيتا، بيت دجن، برقة .. الخ). وأصبح المتضامنون الأجانب سفراء لفلسطين في بلدانهم، وقد أنشأوا حركات ولجانا تضامنية، وساهم بعض منهم بفاعلية في حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال، إلى جانب المظاهرات الشعبية العارمة التي تنظم استنكارًا للممارسات العدوانية لدولة الاحتلال وانتصارا لصمود الشعب الفلسطيني وكفاحه، خصوصا إبان العدوان العسكري الاحتلالي على غزة.

هناك حلقات نوعية ساهم بها المتضامنون الأجانب لصالح قضية الشعب الفلسطين، ما أحدث حالة من القلق لدولة الاحتلال. أبرز تلك الحلقات تكمن في كشف مخاطر جدار الفصل العنصري وإسناد المقاومة الشعبية في مواجهته ومواجهة الاستيطان، وقد أدى ذلك إلى قرار محكمة لاهاي الدولية في عام 2006، والذي اعتبره غير شرعي، وطالب بهدمه وتعويض المزارعين عن الأضرار واعتبار كل الأراضي الفلسطينية محتلة، في تجاوز لتقسيمات اتفاقية أوسلو وتصنيفاتها مناطق الضفة إلى أ، ب ج.

هناك حلقات نوعية ساهم بها المتضامنون الأجانب لصالح قضية الشعب الفلسطيني، ما أحدث حالة من القلق لدولة الاحتلال

واحدة من القضايا الهامة أيضًا قدرة قوى التضامن على تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، سواء عبر الحصار أو من خلال العمليات العسكرية العدوانية الواسعة عليه (2008-2012-2014-2021-2022) حيث تحرّكت جماهير عريضة في مدن كبرى وعواصم بلدان عديدة في أوروبا وأميركا وكندا وجنوب أفريقيا تنديدًا بالممارسات العدوانية الاحتلالية.

واحدة من الإنجازات أيضًا التأثير على حكومات بعض مؤسسات بلدان العالم، وخصوصا في أوروبا، بوسم بضائع المستوطنات بعلامات معينة لحثّ المستهلك على عدم شرائها إلى جانب تبنّي جامعات ونقابات عديدة وغيرها نداء المقاطعة، ما شجّع منظمات حقوق الإنسان على إصدار تقارير تصف دولة الاحتلال بتنفيذ نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري.

نظرت دولة الاحتلال بقلق إلى قدوم الأجانب إلى الضفة الغربية، علمًا بأنها أغلقت الطريق أمامهم للتوجه إلى غزة عبر إحكام السيطرة والحصار عليه منذ أكثر من 15 عاماً، مصحوبًا بعمليات عسكرية عدوانية بحقه، حيث كان المدنيون في عين العاصفة، الى جانب قمعها مسيرات السفن عبر البحر، والتي كانت تحمل على متنها نشطاء ومتضامنين من شخصيات عامة وأعضاء برلمان وإعلاميين وغيرهم.

ما عمَّق من قلق دولة الاحتلال أن معظم الأجانب القادمين إلى الضفة الغربية يحملون قيم التضامن مع شعبنا ومنخرطين بأنشطة وفعاليات تفضح الممارسات العنصرية والمعتدية على القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وتظهر دولة الاحتلال دولة أبارتهايد.

ساهم في زيادة قلق دولة الاحتلال أن بعضا منهم هم فلسطينيو الأصل، وقد حصلوا على جنسيات من دول أجنبية بسبب خصوصية الحالة الفلسطينية، وخصوصا لفلسطيني الخارج. .. ويكمن أحد أهداف القرار الصادر أخيرا في فك الروابط ما بين العائلات الفلسطينية، حيث سيصبح من الصعوبة بمكان زيارة أسرة قريبا لها يعمل في إحدى الجامعات، الأمر الذي سيُحدث ترددا لدى المحاضر في التدريس في أي من جامعات الضفة، ما يساهم بإضعاف النمو الديموغرافي وفصل فلسطينيي الخارج عن الداخل.

تريد دولة الاحتلال الاستمرار في القمع والتنكيل والاضطهاد العنصري، من دون أن يلتفت أحد إلى ذلك

تمارس دولة الاحتلال أشكالا متعدّدة من الاضطهاد بحق الشعب الفلسطيني، ومنها مصادرة الأراضي والاستيطان وتهويد القدس وحصار قطاع غزة والتمييز العنصري في مناطق 1948. وتحاول أن تفرض على السلطة تغيير المناهج وتعمل على فرض المنهاج الإسرائيلي على المواطنين الفلسطينيين في القدس، وتفرض القيود على أنشطة الحركة الطلابية، وتستهدف قياداتها وكوادرها عبر الاعتقال، وتضغط الإدارة الأميركية على وكالة غوث اللاجئين (أونروا) لتغيير المناهج أيضًا مقابل الإفراج عن الأموال الأميركية إليها.

لعبت المقاومة الشعبية في مناطق عديدة في الضفة الغربية التي تلقى تأييدًا وتعاطفًا مع قوى التضامن الشعبي الدولي ومنظمات حقوق الإنسان دورًا في كشف الممارسات العدوانية الاحتلالية، وقد جرى تظهير ذلك في تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية، وأبرزها "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي"، عبر إبراز دولة الاحتلال بوصفها دولة أبارتهايد وتمييز عنصري.

تخشى دولة الاحتلال من سقوط صورتها في العالم، حيث تحاول أن تظهر ذاتها واحة الديمقراطية في الشرق. وعليه، هي غير مرتاحة لدور المتضامنين الأجانب الذين يلعبون دورًا مميزًا في كشف جرائم الحرب الاسرائيلية، بما في ذلك عمليات الإعدام الميداني، بما يشمل إعدام الصحافيين، كما ظهر مع الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة وغيرها.

تظن دولة الاحتلال أن قرارها فرض قيود على دخول الأجانب سيحدّ من كشف الانتهاكات الاحتلالية لحقوق الإنسان الفلسطينية، وأنها ستمنع دمج المتضامنين الأجانب مع الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى منع اندماج الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأجنبية مع شعبهم أيضًا. .. تريد دولة الاحتلال الاستمرار في القمع والتنكيل والاضطهاد العنصري، من دون أن يلتفت أحد إلى ذلك، الأمر الذي يفسر قرارها تجاه القيود المفروضة على دخول الأجانب الضفة الغربية.

كل أشكال القيود والرقابة الممارسة من دولة الاحتلال لن تحجب الحقيقة التي تؤكد طبيعة المشروع الاستعماري الصهيوني

تتوهم دولة الاحتلال، وعبر إعادة استنساخ تجربة الاضطهاد العنصري في جنوب أفريقيا، كأحد أشكال الاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني أنها ستعمل على عزله عن المجتمع الدولي، وحجب الحقيقة عن الرأي العام العالمي.

تتطلب مواجهة هذا القرار العمل على محاور عديدة، منها تظهير مخاطره على المستوى الإعلامي شعبيًا ورسميًا وفي المحافل الدولية، مثل البرلمان الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ذات الثقل والوزن العالمي وتنظيم الفعاليات التضامنية والشعبية مع الجامعات الفلسطينية، والتنديد بالقيود المفروضة على حرية الحركة، سواء للأجانب أو الفلسطينيين حملة الجنسية الأجنبية، بوصف ذلك من أشكال الممارسة العنصرية. كما يتطلب إثارة ذلك في منظمة اليونسكو، بوصفه انتهاكًا للحق بالتعليم، كما يتطلب العمل على تصعيد حملة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية التي تشرعن ممارسات الاحتلال، وتعتبر مرتكزات لبث الروح العنصرية واختراع أدوات القمع والتنكيل بحق الشعب الأصلاني.

كل أشكال القيود والرقابة الممارسة من دولة الاحتلال لن تحجب الحقيقة التي تؤكد طبيعة المشروع الاستعماري الصهيوني الإقتلاعي، وكذلك حقيقة كفاح الشعب الفلسطيني، العادل من أجل الحرية والاستقلال والعودة.

محسن أبو رمضان
محسن أبو رمضان
كاتب وباحث فلسطيني في الشؤون السياسية والحقوقية والتنموية، مقيم في غزة