عن قاعدة تركية في أذربيجان
لم تكد تمضي ساعات على إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه لا يستبعد إمكانية إنشاء قواعد عسكرية لبلده في أذربيجان، بموجب اتفاقية "إعلان شوشا" المبرمة أخيرا بين الدولتين، حتى لاحت بوادر أزمة بين أنقرة وموسكو في وقتٍ شهدت العلاقات بينهما تقارباً قوياً في السنوات القليلة الماضية.
وأقر الكرملين بأن إمكانية ظهور قواعد عسكرية تركية في أذربيجان تشكل موضع قلق لدى موسكو، متوّعدا بتبنّي ما يلزم من خطواتٍ لضمان أمن روسيا. وأكّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن موسكو تتابع عن كثب التقارير عن إمكانية إنشاء قاعدة تركية في أذربيجان، مضيفا: "إنشاء بنى تحتية عسكرية لدول أعضاء في حلف الناتو قرب حدودنا يثير اهتمامنا الخاص، ويدفعنا إلى تبنّي الخطوات اللازمة لضمان أمننا ومصالحنا". ولفت بيسكوف إلى أن روسيا لا تزال على تواصل وثيق مع أذربيجان وأرمينيا وتركيا لتسوية الوضع في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه. واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن ما يتردّد في هذا الشأن مجرّد شائعات.
يرتبط دوماً نقاش الوجود العسكري التركي في أذربيجان، مع برودة العلاقات بين موسكو وأنقرة أو دفئها
وتُثار في الأوساط السياسية والإعلامية في الدول السوفييتية السابقة على الدوام مسألة إقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضي أذربيجان في جنوب القوقاز، ويرتبط دوماً نقاش الوجود العسكري التركي في أذربيجان، مع برودة العلاقات بين موسكو وأنقرة أو دفئها، ولاسيما في كل مرة يعود فيها النزاع الأرميني الأذربيجاني إلى الاشتعال.
وتضمّن إعلان شوشا الذي وقّعه أردوغان مع نظيره الرئيس الأذري إلهام علييف خلال زيارته أذربيجان، الأسبوع الماضي، أنه في حال تعرّض أي من الطرفين لاعتداء أو تهديد من دولة أو دول أخرى يمس استقلالها أو سيادتها أو وحدة أراضيها أو يهدّد أمنها أو حدودها المعترف بها دولياً، يعقد الطرفان مشاورات، ويتّخذان الخطوات اللازمة لمنع هذا الاعتداء أو التهديد بما يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويقدّم كل طرف المساعدة اللازمة للآخر. وأشار الإعلان إلى أنه يتم تحديد حجم هذا الدعم ونوعيته عن طريق اللقاءات العاجلة بين الطرفين. كما تتم تلبية الاحتياجات العسكرية الدفاعية من أجل اتخاذ تدابير مشتركة، ويتم ضمان التنسيق بين القوات والوحدات الإدارية في القوات المسلحة للطرفين.
تعتبر روسيا المنافس الأكبر لتركيا في المنطقة، إذا أخذنا بالاعتبار عضوية ألأخيرة في حلف الناتو، فإن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان لضمان التوازنين، العسكري والسياسي، وأحدث ثقلا موازنا للقاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا. وفي حال إقامة قاعدة عسكرية تركية، لا يمكن ألا تؤدي إلى تعقيد العلاقات الروسية الأذربيجانية، وتصبح أيضاً مصدراً لقلق إيران من جهة ثانية.
الوثائق الحالية في "إعلان شوشا" سترفع مستوى التحالف بين الطرفين إلى أعلى مستوى
يحدّد شكل التعاون الدفاعي بين تركيا وأذربيجان إطاران قانونيان، وذلك قبل توقيع "اعلان شوشا" أخيرا. الأول الذي أُنشئ في أوائل التسعينيات، يمكّن التدريب العسكري لأفراد أذريين في المؤسسات العسكرية التركية. والثاني هو اتفاق "الشراكة الاستراتيجية"، والذي ينص صراحة على أن البلدين سيساعدان بعضهما بعضا، إذا طالب أحدهما بحقه في الدفاع عن النفس، بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن طبيعة هذه "المساعدة" خاضعة لمشاورات ثنائية، إلا أن الاتفاق يؤكّد بوضوح على إمكانية استخدام الوسائل العسكرية في الظروف الطارئة.
سبق أن تداولت وسائل إعلام أذربيجانية، قبل قرابة عام، أنه تم إعداد وثائق مهمة للغاية بين باكو وأنقرة، خلال زيارات مكثفة متبادلة بين كبار عسكريي البلدين، حيث ناقش الجانبان قضايا إنشاء قاعدة عسكرية تركية في ناخشيفان في أذربيجان، وفي المستقبل إنشاء قاعدة عسكرية أخرى في شبه جزيرة أبشيرون.
وإذا لم تكن العلاقات بين أذربيجان وتركيا قادرة بعد على التحرّك نحو تحالف عميق، بسبب عدم وجود بعض الخطوات القانونية، فإن الوثائق الحالية في "إعلان شوشا" سترفع مستوى التحالف بين الطرفين إلى أعلى مستوى. ونتيجة ذلك، ستصبح العلاقات بين تركيا وأذربيجان وثيقة جدًا، ولن تشمل التعاون العسكري فحسب، وستشمل التعاون السياسي أيضا، وسيتشاور الطرفان مع بعضهما بعضا في جميع مراحل السياسة الداخلية والخارجية، وسيؤخذ موقف الطرفين في الاعتبار.
ستصبح العلاقات بين تركيا وأذربيجان وثيقة جدًا، ولن تشمل التعاون العسكري فحسب
يخشى الأرمن من هذا السيناريو، على ضوء التعاون الذي يجمع أرمينيا وإيران، فعلاقات طهران بيريفان تعتبر أقوى من التي تربطها بدول إسلامية كثيرة مجاورة، فإضعاف أذربيجان حاجة إيرانية، حتى لا تشجّع الأقلية الأذرية داخلها على المطالبة بمزيد من الحقوق. وعلى الرغم من توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية بين باكو وطهران خلال العامين الماضيين، وتأكيد إيران الرسمية على احترام وحدة أراضي جمهورية أذربيجان وفق القرارات الدولية، فإن هناك عوامل مستمرة وإرثا ثقيلا يُلقي بظلاله على أي حدث مستقبلي بين الدولتين الجارتين.
يبقى القول، سواء أقامت تركيا قاعدة عسكرية في أذربيجان أم لم تفعل، فلديها اليوم في هذا البلد، جنوب القوقاز، قوة عسكرية تشارك قوات روسية في مراقبة تنفيذ الاتفاق الذي رعته روسيا بين أذربيجان و أرمينيا اواخر العام الماضي، وأوقف حرب كاراباخ الثانية، وحتى قبل سنوات قليلة لم تكن تركيا تملك قواعد عسكرية خارج أراضيها ما عدا الوجود العسكري في شمالي قبرص منذ 1974. واليوم تمتلك تركيا قواعد عسكرية في كل من الصومال وقطر والعراق وسورية.