عن حوار سعودي إيراني مستمر
شهد "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، يوم السبت الماضي، لقاءات جانبية بترتيب عراقي مسبق، بين أطراف إقليمية عرفت علاقاتها توترا في الفترة الماضية، فالتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، نائب رئيس الإمارات حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، في أول لقاء من نوعه منذ العام 2017 وفرض الحصار الرباعي على دولة قطر. كما شهد مؤتمر القمة لقاء أمير قطر بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار الجهود الرامية لإذابة الجليد بين الدوحة والقاهرة، وتنفيذ اتفاق العُلا في السعودية مطلع العام الحالي، بالإضافة إلى لقاءات جانبية أخرى، سعت بغداد من خلالها إلى أن تكون معبرا بين دول الإقليم، من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات، يعتقد العراق أن تحسّنها سيصبّ في الصالح العراقي، ومن أجله كانت القمة. ولكن اللقاء الذي ربما كانت تنتظره بغداد لم يعقد أمام الكاميرات، ولم تتسرّب أي معلومات عما إذا كان قد عُقد أم لا، وهو اللقاء السعودي الإيراني الذي يمثل بالنسبة لبغداد عنق الزجاجة التي تعتقد أنه كفيل بحلحلة ملفات عراقية داخلية عالقة بسببه.
هناك عدم ارتياح سعودي لاستكمال اللقاءات مع إيران في العراق، لشعور لدى الرياض بأنه ليس المكان المناسب لانعقادها
قال وزير خارجية العراقي، فؤاد حسين، في مؤتمر صحافي عقب القمة، إن اللقاءات الإيرانية السعودية مستمرة وأنها بدأت من بغداد، من دون أن يجيب على سؤال عما إذا كانت قمة السبت قد شهدت فعليا لقاءات من هذا النوع. وبغض النظر إذا ما كانت هذه اللقاءات مستمرّة فعلا كما قال الوزير، أو أنها انتهت بعد لقاء أو اثنين بين مسؤولين من البلدين، جرت في بحر عام من الزمن، إلا أن الواضح أن هناك عدم ارتياح سعودي لاستكمال مثل هذه اللقاءات في العراق، لشعور لدى الرياض، عبّرت عنه مصادر دبلوماسية سعودية في أكثر من مناسبة، بأن العراق ليس المكان المناسب لانعقاد هذه اللقاءات. وربما كانت مسقط خيارا سعوديا لها، لكن المؤكد أن إيران التي مثّلها وزير الخارجية الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، في أول تمثيل خارجي بصفته وزيرا لدبلوماسية الحكومة الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، أوصلت رسالة مخالفة للتوقعات، من خلال كلمة عبد اللهيان في قمّة بغداد، والتي ألقاها بلسان عربي، فقد تدخّل في الشأن العراقي بطريقة غير دبلوماسية، ناهيك طبعا عن عدم إبداء أي مرونة في تعامله حتى مع الوفود المشاركة في القمة، وما تمثل في إصراره على الوقوف في الصف الأول مع زعماء الدول، مخالفا البروتوكول في أثناء التقاط لقطة جماعية، ومكانه في الصف الثاني.
الحوار السعودي الإيراني بات مطلبا ليس للعراق فحسب، وإنما حتى لدول المنطقة، والخليج تحديدا
يوصف عبد اللهيان بأنه متشدّد ومقرب من دوائر القرار في الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس. واختيار رئيسي له لحقيبة الخارجية رسالة مفادها بأن دبلوماسية طهران الجديدة ستعتمد على سلاح الردع الإيراني الأهم، المليشيات التي يديرها الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، بما قد يُفسّر بأنه إغلاق إيران لباب التفاوض مع السعودية وانهاء فترة جسّ النبض بين البلدين، والتي تمثلت في لقاءات عقدت في بغداد ومسقط، لا يبدو أنها أفضت إلى شيء. والرسالة المتشدّدة التي حملها عبد اللهيان إلى قمة بغداد، سواء في خطابه غير الدبلوماسي أو خرقه البروتوكول، قد لا تعني بالضرورة أيضا أن إيران غير راغبة في استمرار المفاوضات مع السعودية، فقراءة أخرى للعقلية الإيرانية في الإدارة تفيد بأن طهران عندما ترفع سقف تحدّيها فإنها تكون قد فتحت بالفعل بوابة خلفية للتفاوض. وبغض النظر عن هذا وذاك، فإن الحوار السعودي الإيراني بات مطلبا ليس للعراق فحسب، وإنما حتى لدول المنطقة، والخليج تحديدا، بل هو أيضا حاجة إيرانية قبل أن تكون سعودية.
إسرائيل التي زار رئيس وزرائها، نفتالي بينت، واشنطن، والتقاه الرئيس الأميركي، بايدن، في يوم قمة بغداد نفسه، أعلن عن خطة لردع إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي، أطلع عليها بايدن، من دون أي معلومات عما إذا كان الأخير قد وافق عليها، أو أرجأ النظر في القرار في ظل تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لكن المؤكد أن إسرائيل قد تبادر إلى عمل محدود قد يعطّل جهود إيران في الحصول على السلاح النووي الذي تتوقع تل أبيب أن طهران قد تنجح في الوصول اليه خلال شهرين.
عراق اليوم يحمل بذور مشكلاته في جينات عملية سياسية باتت في نزعها الأخير
زلزال انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على البلاد قد لا يكون بعيدا عن حسابات اللاعب السياسي الإيراني، فهو يدرك جيدا أن أفغانستان طالبان تختلف كليا عن التي كانت تديرها الولايات المتحدة في كابول منذ نحو عشرين عاما.
ذلك كله قد يدفع إلى الاعتقاد أن طهران اليوم أكثر رغبة في حوار مع السعودية، وتصفية بعض الخلافات التي قد تنعكس إيجابا على العراق والمنطقة، ولكن ذلك سيبقى رهينة ما ستحصل عليه طهران من وعود أو حتى مغانم سريعة، كرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عنها ولو جزئيا. والسؤال الآن: هل فعلا يمكن أن تنعكس التهدئة السعودية الإيرانية؛ إن حصلت، على واقع العراق؟ الجواب نعم، لكنه انعكاس لن يحمل تغييرات كثيرة لواقع المواطن العراقي، والسبب أن عراق اليوم يحمل بذور مشكلاته في جينات عملية سياسية باتت في نزعها الأخير، وقد لا تنفع معها كل أدوات التنفس الخارجي التي تمنح الجسد المتهالك قبلة حياة جديدة.