عن السيناريوهات المحتملة لانتخابات تركيا

عن السيناريوهات المحتملة لانتخابات تركيا

07 مايو 2023

المرشحون للرئاسة التركية في ورقة انتخابية في السفارة التركية في بانكوك (6/5/2023/الأناضول)

+ الخط -

دخلت تركيا الأيام الأخيرة من المنافسة الانتخابية استعداداً للاستحقاق المنتظر في 14 من مايو/ أيار الجاري. من السمات الإيجابية التي تتميّز بها الديمقراطية التركية في هذه الانتخابات تحديداً أن المنافسة مُحتدمة إلى درجة أنّه يصعب على استطلاعات الرأي المستقلة نسبياً تقديم تقييم دقيق لما يمكن أن تكون عليه نتائج الانتخابات. هناك أسبابٌ كثيرة تُفسّر صعوبة الوصول إلى تقييم دقيق مسبق. على سبيل المثال، هذه المرّة الأولى التي تخوض فيها معظم أحزاب المعارضة الانتخابات في تحالف موحّد، وهو تطوّر لم تشهده السياسة التركية الحديثة منذ تأسيس الجمهورية، ويُشكّل تحدّياً غير مسبوق لحكم الرئيس رجب طيب أردوغان. لكن لا توجد تجربة انتخابية سابقة لهذا التحالف يُمكن الاستناد إليها لقياس الأداء المحتمل له في الاستحقاق الحالي. علاوة على ذلك، لا يزال أردوغان منافساً صعباً ويحظى بقاعدة دعم واسعةٍ لا يُمكن الاستهانة بها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وتداعيات زلزال 6 فبراير المدمّر. وحقيقة أن أردوغان لم يخسر على مدى عقدين من حكمه أيّ انتخابات، مع استثناء البلدية أخيرا في 2019، تجعل من الصعب الرهان على أنه قد يفقد السلطة هذه المرّة.

على نطاق واسع، يُنظر إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي مرشّح التحالف السداسي، كمال كليجدار أوغلو، في الانتخابات الرئاسية، على أنه وسّع قاعدة الدعم الانتخابية المحتملة له إلى درجة تُمكّنه من الفوز في الانتخابات الرئاسية. قد يصحّ هذا التقدير جزئياً في لغة الأرقام، خصوصاً أن الكتلة الانتخابية للحزب الكردي تتراوح بين 10 و 12%، لكنّ الأثمان التي سيدفعها كليجدار أوغلو مقابل هذا الدعم قد تكون مُكلفة. تُقدّر استطلاعات الرأي المستقلة أن ما يقرب من 8% من الأصوات القومية في التحالف السداسي (5% في حزب الجيد و3% في حزب الشعب الجمهوري) قرّرت منح أصواتها لصالح المرشّحين الرئاسيين الآخرين، سنان أوغان، وبدرجة أكبر مُحرم إينجه كرد فعل على تعاون كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الكردي وتحالفه مع أحزابٍ محافظة. إذا صحّت هذه التقديرات، فإن فرص كليجدار أوغلو في حسم المنافسة الرئاسية من الجولة الأولى تقلّصت بشدة. يبدو أن كليجدار أوغلو لا يزال يُراهن على أن الأصوات التي تسرّبت من التحالف السداسي ستُصوّت له في جولة إعادة مُحتملة مع أردوغان، لأنها ستبقى معارضة لأردوغان بطبيعة الحال.

في جولة إعادة محتملة للانتخابات الرئاسية، قد يكون لنتائج الانتخابات البرلمانية دور في تشكيل السلوك الانتخابي للأصوات غير المؤدلجة

مع ذلك، يبقى مثل هذا الرهان محفوفاً بالمخاطر، على اعتبار أن الأصوات المسرّبة لم تُغير سلوكها الانتخابي المحتمل، لأنها تؤمن بمحرم إينجه، بل لأنها وجدت فيه خياراً أقلّ سوءاً من خيار انتخاب رئيس أبرم صفقة يكتنفها غموض كثير مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي تعتبره هذه الكتلة واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور. سيكون السؤال الأكثر أهمية في حال ذهبت الانتخابات الرئاسية إلى جولة إعادة في 28 مايو/ أيار الحالي يتمحور حول السلوك الانتخابي لهذه الكتلة، والمعايير التي ستُحدّد على أساسها لمن ستًصوت. إذا كان المعيار القومي هو الطاغي بدرجة أساسية على الموقف من أردوغان، وهو ما أرجّحه، فذلك سيخدم على الأرجح أردوغان بقدر أكبر من كليجدار أوغلو.

مع أن الانتخابات البرلمانية لا تقلّ أهمية عن الانتخابات الرئاسية، إلّا أن العوامل المعقدة التي تُحيط بالمنافسة الرئاسية أكبر مما هي عليه في المنافسة البرلمانية. في جولة إعادة محتملة للانتخابات الرئاسية، قد يكون لنتائج الانتخابات البرلمانية دور في تشكيل السلوك الانتخابي للأصوات غير المؤدلجة التي سيُركّز المعيار الأساسي لتحديد سلوكها الانتخابي على نظرتها إلى المرشّح الذي يستطيع إحداث استقرار سياسي في السلطة. إذا نجح التحالف الحاكم في الفوز بأكثرية في البرلمان، فستكون لأردوغان الأفضلية في استقطاب القدر الأكبر من الأصوات "المتردّدة"، والعكس صحيح بالنسبة لكليجدار أوغلو إذا ما نجح تحالف المعارضة الرئيسي في الفوز بأكثرية مقاعد البرلمان، لأن استطلاعات الرأي المستقلة لم تستطع أيضاً تقديم تقييم مسبق لما يُمكن أن تكون عليه نتائج الانتخابات البرلمانية، فإن من الصعب الخوض في السيناريوهات التي ستحملها جولة إعادة رئاسية محتملة قبل معرفة تشكيل البرلمان الجديد ليلة 14 مايو أو في صبيحة اليوم التالي. أما في حال لم يستطع أي من التحالفين الرئيسين الحصول على أكثرية في البرلمان، فإن معايير السلوك الانتخابي المحتمل للأصوات غير المؤدلجة سيتوسّع ليشمل بالإضافة إلى عامل الاستقرار السياسي، عوامل أخرى كالهوية.

كليجدار أوغلو لا يزال يُراهن على أن الأصوات التي تسرّبت من التحالف السداسي ستُصوّت له في جولة إعادة مُحتملة مع أردوغان

لتجنّب سيناريوهات صعبة كثيرة لكل من أردوغان وكليجدار أوغلو، سيتعيّن على كل منهما تركيز جهوده لحسم المنافسة الرئاسية لصالحه من الجولة الأولى. سيكون الوضع أصعب على كليجدار أوغلو مقارنة بأردوغان في جولة إعادة محتملة، لأنه سيواجه مشكلة الموازنة بين الحفاظ على دعم تحالف حزب الشعوب الديمقراطي له ومحاولة إعادة استقطاب الأصوات القومية المسرّبة التي سترهن دعمها له بتبنّي موقف واضح من صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني المحظور. إذا لم تنجح الهندسة السياسية التي أقامها كليجدار أوغلو في بناء شبكة معقّدة من التحالفات في فوزه بالجولة الأولى للرئاسة، فإن كفاءتها ستكون محلّ شكوكٍ في جولة إعادة محتملة.

كبلد لا يُمكن التنبؤ بما يُمكن أن يحدُث فيه من أحداث مفاجئة قبل آخر ساعة من فتح صناديق الاقتراع، فإن الأيام القليلة المتبقية للانتخابات ستكون محطّ اهتمام أكبر في المنافسة الانتخابية. أخيراً، يبقى السؤال الأكثر أهمية حول الانتخابات هو ما إذا كان التحالفان الرئيسيان مستعدّين لتقبل النتائج أياً كانت. لأن الطرفين يخوضان هذه المنافسة للفوز فقط، وليس للمنافسة من أجل الفوز أو الخسارة، فإن الديمقراطية التركية ستكون محلّ اختبار كبير ليلة 14 مايو أو 28 مايو في حال لم تُحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.