عن أغنياء كورونا في المغرب
يقدّم التاريخ الاجتماعي أمثلة كثيرة عن تأثير الجوائح على السلوك الإنساني. ومن ذلك الجشع واستغلال مآسي الناس من أجل الاغتناء السريع، في غفلةٍ من السلطة التي غالبا ما تربكها الجوائح، حين تتّسع رقعتها، وتصبح من الصعب السيطرة عليها. حدث ذلك إبّان الطاعون الأسود الذي ضرب أوروبا في القرن الرابع عشر، حين استغلّ تحالف السلطة والإقطاع الوباءَ لمواجهة مطالب الفلاحين بشأن تحسين ظروف عملهم، مخافة حدوث تغييرات اجتماعية عميقة. وحدث الشيء نفسه في معظم الجوائح التي عرفتها البشرية بعد ذلك، ويحدث الآن، أيضا، مع فيروس كورونا.
مناسبة الإتيان على هذا الكلام، استمرار رفض الحكومة المغربية توسيع دائرة الفاعلين المعنيين بإجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، من خلال إشراك الصيدليات في إجراء الاختبارات السريعة، التي لا تتجاوز كلفتها ستة دولارات للاختبار الواحد، ما يعني قدرةً أكثر على السيطرة على الوباء، سيما في ظل الارتفاع المطّرد الذي تعرفه نسبة السكان الملقحين بالحقنة الثانية (تناهز 45%). وزيادة على أن هذا الرفض يثير عدة أسئلة، فهو يعيد إلى الواجهة مسألة المغتنين من الجائحة في المغرب. وإذا كان لوبي التعليم الخاص قد احتلّ واجهة الأحداث في السنة الماضية، حين فرضت مؤسسات التعليم الخاصة على أهالي التلاميذ أداء الأقساط الشهرية كاملةً خلال فترة الحجْر الصحي، فإن الأمر لم يختلف كثيرا هذه السنة، بعدما فرض لوبي المختبرات الطبية الأمر الواقع باحتكاره، بموجب ترخيصٍ من وزارة الصحة، إجراءَ اختبارات PCR، مقابل تسعيرة تتراوح بين 700 و800 درهم (80 دولارا)، علما أن كلفة كل اختبار لا تتعدّى 15 دولارا، وللواحد منا أن يتصوّر حجم الأرباح التي تُدرّها هذه العملية على المختبرات، على اعتبار أن لكل مختبر ''الحق'' في إجراء حوالي 300 اختبار كل يوم، ما يعني هامش ربح كبيرا يتخطّى تكاليف المعدّات المستعملة في هذه الاختبارات. وقد زاد هذا الربح في الأسابيع الثلاثة المنصرمة نتيجة ارتفاع الطلب عليها، والذي تزامن مع عودة المغتربين المغاربة إلى بلدان إقامتهم. وعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ في أعداد المصابين بالفيروس خلال فصل الصيف، إلا أن الوزارة ظلت ترفض منح الصيدليات إجراء الاختبارات السريعة، ما يطرح حزمة أسئلة بشأن الدور الذي بات يلعبه لوبي المختبرات في التأثير على التدابير المتّخذة لحصر الجائحة والحد من تداعياتها. وتبدو الأسباب التي تقدّمها المختبرات بشأن الاختبارات السريعة واهيةً، فالزعمُ أن إجراءها في الصيدليات وأماكن أخرى لا يعطي نتائج مؤكّدة بشأن الإصابة بالفيروس لا يستند إلى معطياتٍ علميةٍ وطبيةٍ دقيقة، هذا إضافة إلى أن منظمة الصحة العالمية ما فتئت تؤكد على ضرورة الرفع من وتيرة اختبارات الكشف عن الإصابة بالفيروس، ما يعني، ضمنيا، عدم رفضها الاختبارات السريعة.
وتُعدُّ الفئات الفقيرة والهشّة الأكثر تضرّرا من هذا الوضع، خصوصا مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة، وعدمِ تواصل وزارة الصحة مع الرأي العام، وغياب مؤسّسات وسيطة في هذا الصدد. وقد دفع ذلك كثيرين، ممن ظهرت عليهم أعراض الإصابة، إلى بدء العلاج من دون إجراء الاختبار اللازم بسبب ارتفاع كلفته، ما يساهم في إرباك الجهود المبذولة لتطويق رقعة الوباء، وبروزِ سوق سوداء موازية، غير مؤهلة، قانونيا، لإجراء هذه الاختبارات.
لا يسائل هذا الوضع، فقط، خطابَ الوزارة الوصية بشأن استراتيجية مكافحة الوباء وتطويق رقعة انتشاره، بل يجعل مطالبةَ المواطنين بالتقيد بالتدابير الاحترازية غير مستقيمة، في وقتٍ تحتكر المختبرات الطبية إجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بالفيروس، وتمنع الصيدليات وفاعلين آخرين من مزاحمتها في ذلك.