عندما تُسقط إس 400 الروسية إف 35 الأميركية
قد يبعث على الاستغراب لدى كثيرين الحديث أخيرا عن طلب تركيا شراء طائرات إف 16، حيث كان ينتظر أن تبحث أنقرة عن بديل لطائرات إف 35، وفي إطار ضيق بين استمرار المباحثات مع أميركا للحصول على الطائرات ذاتها، أو التوجه للحصول على طائرات سوخوي روسية الصنع. وما يزيد من أهمية الطلب مواجهة تركيا خطر البقاء في الخلف، حيث لا تعتبر طائرات إف 16 بديلا استراتيجياً، ولا تلبّي حاجة تركيا لمجاراة دول المنطقة، وجيرانها لا يتوقفون عن تدعيم ترسانتها وتحديثها، وتستثمر القوى الإقليمية بكثافة في قواتها الجوية، فاليونان أبرمت اتفاقاً لشراء طائرات مقاتلة فرنسية من طراز رافال، وتقوم أيضاً بتحديث ما لديها من طائرات إف 16، بينما تدعم إسرائيل أسطولها الجوي بمزيد من طائرات إف 35.
وذكرت وسائل اعلام تركية، قبل أيام، أن مستشاري الأمن القومي، الأميركي جيك سوليفان ونظيره التركي إبراهيم كالن، ناقشا برنامج المقاتلة إف 35 الذي أقصت واشنطن أنقرة منه، بسبب شرائها نظام دفاع صاروخي روسي إس 400، وطلب تركيا شراء طائرات إف 16ومعدّات تحديث. كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، أخيرا، أن وفدا من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أجرى مباحثات في أنقرة لبحث حل الخلاف في ملف مقاتلات إف 35 التي أخرجت واشنطن تركيا من برنامج متعدد الأطراف لإنتاجها وتطويرها، ومنعتها من اقتناء مائة منها ردا على حصولها على منظومة إس 400 الدفاعية الروسية.
يمكن اعتبار طلب تركيا شراء طائرات مقاتلة من طراز إف 16من الولايات المتحدة، في إطار اختبار العلاقة بين أنقرة وواشنطن، حيث هناك خلاف بين البلدين
ويمكن اعتبار طلب تركيا شراء طائرات مقاتلة من طراز إف 16من الولايات المتحدة، في إطار اختبار العلاقة بين أنقرة وواشنطن، حيث هناك خلاف بين البلدين، وهما حليفان ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإن كانت علاقتهما تشوبها التوترات في أكثر من ملف، بشأن من الذي بادر بالإجراءات، حيث يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن الولايات المتحدة شجّعت أنقرة على التقدّم بعرض الشراء تعويضا لها عن مبلغ 1,4 مليار دولار، دفعته مقابل الحصول على طائرات مقاتلة من طراز إف 35.
وكانت أنقرة قد طلبت شراء ما يزيد على المائة طائرة من طراز إف 35 من الولايات المتحدة، ولكنها استبعدت من البرنامج في عام 2019، بعد أن حصلت على أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز إس 400، وأعقب ذلك فرض الولايات المتحدة حظراً على التعامل مع قطاع الدفاع فيها.
وتدّعي الولايات المتحدة، و"الناتو" بشكل عام، أن المنظومة الروسية "لا تنسجم مع أنظمة الناتو وأسلحته"، وهذا مع يعرِّض المقاتلة إف 35، التي تشارك تركيا في تصنيعها، للخطر. لذلك، أقدم مجلس النواب الأميركي على بعض الخطوات من أجل استبعاد تركيا من مشروع تصنيع المقاتلة الأميركية، وفرض عقوباتٍ اقتصادية عليها في الوقت نفسه.
وهنا، جدير بالذكر أن روسيا باعت، في وقت سابق، صواريخ إس 300 إلى أكثر من دولة عضو في "الناتو"، مثل بلغاريا واليونان وكرواتيا وسلوفينيا. أمّا أولى الدول التي اشترت إس 400 فهي روسيا البيضاء 2016، والصين 2018، والدولة التي ترغب روسيا في بيع المنظومة إليها واتفقت معها بشكل جزئي هي الهند.
يُنظر إلى قرار تركيا شراء منظومة الصواريخ الروسية على نطاق واسع باعتباره يمنح موسكو نصراً ضد "الناتو" في خواصره الجنوبية
وصحيحٌ أن شراء أنقرة صواريخ إس 400 من موسكو شكّل أبرز نقاط الخلاف بينها وبين واشنطن (إضافة إلى قضية فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني، المصنّف على قوائم الإرهاب في "الناتو"). ولكن يُنظر إلى قرار تركيا شراء منظومة الصواريخ الروسية على نطاق واسع باعتباره يمنح موسكو نصراً ضد "الناتو" في خواصره الجنوبية، إلا أن التوتر في العلاقات الأميركية التركية يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث باتت تركيا اليوم، في نظر كثيرين، أكثر استعداداً للتحرّك بشكل مستقل ومنفرد، واستخدام القوة العسكرية في صراعات إقليمية عدة، من ليبيا مروراً بناغورني كاراباخ وسورية، و هو ما يسبب الإزعاج والقلق لكثيرين في واشنطن وعواصم أوروبية أخرى. أما في أنقرة، فهناك حالة شعور بالخيانة من عدم التزام حلفاء "الناتو" تجاه الحروب التي تخوضها تركيا، سيما ضد حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية، والمصنّف لدى أميركا وباقي دول "الناتو" منظمة إرهابية.
وتعيد مسألة المنظومة الدفاعية الروسية والمقاتلة الأميركية إلى الأذهان المواجهة بين الشرق والغرب وذكريات الحرب الباردة، ويتداخل فيها اليوم الجانب الأمني مع السياسي والتقني، وما لم يطمئن كل طرف بالأفعال، لا بالأقوال، بشأن مخاوفه، سيبقى طريق المفاوضات طويلاً.
ويبقى القول إنه مع بدء العمل الفني لاستيراد تركيا إف 16 من الولايات المتحدة، يمكن القول إن منظومة إس 400 الدفاعية الروسية أسقطت مقاتلة إف 35 الأميركية قبل إقلاعها.