13 نوفمبر 2024
عندما تدمّر الممانعة مخيم اليرموك
تتضمن الممانعة معنى محدّداً، فهي تشير إلى انعدام حالة الحرب أو السلم؛ إذن هي بين بين. سيرورة الواقع تقول إن نتيجة ذلك كله هي حالة السلم الكامل، وربما هناك مضامين تتطلب زمناً للكشف عنها، وتبدأ بمنع كل نشاط مقاوم على الحدود مع دولة الكيان الصهيوني. ضبطت هذه الحالة كل نشاط سياسي في سورية، وبالتالي ليس مسموحاً الخروج عن الشمولية أبدا، وليس من حقٍ لسوريِّ أو فلسطيني بأكثر مما يقرّر نظام الممانعة هذا. استمرار النظام هذا يقتضي ولاء مطلقاً، أو إفناءً مطلقاً؛ وهي صفته المطلقة منذ استقرّ بعد الحركة التصحيحية.
لا يسمح النظام هذا بأي تهديدٍ لمصيره، ويتعامل مع التهديد وفقاً لخطورته، وليس من رادع يرتدع به؛ فعلى مشرحته يضع كل أساليب إخضاع الكائنات المسماة بشراً. الدول المتقدمة أيضاً ليست لديها مشكلة مع تلك الأساليب، شريطة توافق النظام مع سياساتها العالمية. يؤكد تاريخ النظام السوري منذ السبعينيات ذلك، وكذلك الصفقات التي عقدت بخصوص السلاح الكيميائي منذ 2013، وإلى الضربة الثلاثية التأديبية الأسبوع الماضي.
لم تكن مدينة أو بلدة أو قرية أو حي في سورية بمنأى عن الأساليب أعلاه؛ وشكلت الثورة الشعبية 2011 أكبر حالة تحدٍ للنظام؛ فكان رده أمنياً عسكرياً بامتياز. تدرّجت الممانعة بمحاولة إخضاع الشعب، واستخدام كل أصناف السلاح التي تمتلكها، لكن سياسة التهجير كانت الجديدة بتاريخها، والأسوأ على الإطلاق. ربما هي فكرة تخصّ السياسة الإيرانية في سورية، لكنها أيضاً سياسة روسية، وبكل الأحوال هي أيضاً سياسة النظام نفسه. أنظمة القمع والشمولية جميعها تمارس ذلك حينما تتهدّد بالزوال، والنظام السوري هُدّد بذلك، وكاد أن يسقط في العامين 2012 و2015، وبالتالي ليس أقل من الانتقام بالتهجير والتدمير والقتل أساليب عقابية إخضاعية. الاعتقال والسجن ممارسات طبيعية لنظام الممانعة والشمولية.
كانت الثورة هذه امتحانه الأكبر، فهو إمّا أن يخرج سالماً أو يسقط كما طالب الشعب حينما اشتدت ثورته، واشتد قمعه، بعد الأشهر الأولى من مارس/آذار 2011. مخيم اليرموك الذي أُسس 1957 وسمّي عاصمة الشتات الفلسطيني عايش ذلك، لكنه كان سورياً بامتياز، أي انضم للشعب في ثورته؛ وهنا كان لا بد من عقابه بشكل أشدٍّ! حُوصر المخيم حتى هلك من أهلهِ بالمجاعة أكثر من مائتي شخص في 2012، ولاحقاً عوقب بجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فتح هذا المخيم أبوابه في 2011 لاستقبال الملاحقين من المناطق المجاورة، ولاحقاً انتقلت الثورة إليه. وبذلك أسس الفلسطينيون رابطةً لا تزول أبداً من تاريخ سورية، ولا يغير في الأمر شيئاً تدمير المخيم بأكمله، وتهجير أغلبية الفلسطينيين إلى جهات الأرض.
ليس النظام وإيران وروسيا هم فقط من لم يرأفوا بأهالي عاصمة الشتات، وبمهجري نكبتي 1948 و1967 وسواهما، بل وحتى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي صمتوا، وكانت محاولاتهم لتحييد المخيم محبطة بالكامل. الحقيقة أنهم تركوا المخيم وفلسطينيي سورية لمصير أهالي سورية، أي لما ذكرناه أعلاه.
الممانعة التي ترفع شعار فلسطين كقضية مركزية، وتبتزّ الشعب بذلك، وأنها مقاومة، لم تتوانَ أو ترحم، بل إن تدميرها مخيم اليرموك لا يستند إلى أية حجة واقعية، فالمخيم وحيا الحجر الأسود والتضامن مناطق هامشية من حيث عدد المقاتلين فيها، و"داعش" مكروهة من كل الفصائل الإسلامية وغير الإسلامية الرافضة للنظام. وبخروج كل مسلحي الغوطة، وبمعاداة فصائل بلدات الجنوب "داعش"، تصبح أية حجة لتدمير المخيم لاغية. نعم، يستطيع النظام استعادة المخيم بقوات محدودةٍ، بل إن بمقدوره عقد اتفاقية لإخراج "داعش"، كما حال اتفاقيته مع داعش القلمون الغربي من قبل. وربما تسجّل مبرّرات التدمير ضمن سياسة تخفيف التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، حيث هناك تصعيد كبير بينهما، ولا سيما بعد قصف الأولى مطارات الشعيرات والتيفور والضمير؛ تدمير رمزية مخيم اليرموك مهم لإسرائيل.
هو مركز الحركة الفلسطينية تاريخياً، وفيه أكبر تجمع فلسطيني، وفيه مقرّات لكل هذه الحركة، وفيه مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية المستمرة، وأكبر خزان بشري للمقاتلين ضد إسرائيل. عدا ذلك هو مدينة كاملة، وفيه حركة ثقافية وتجارية نشيطة، والسوريون فيه أكثر من الفلسطينيين، وقد كان منطقة آمنة لمعارضين سوريين كثيرين، وظل عصياَ عن تدخّل النظام السوري بشكل سلس، بعكس بقية المدن السورية والمخيمات.
نظام الممانعة هذا، وهو يجتث منطقة تلو الأخرى في محيط العاصمة، يرسّخ تبعيته لكل من الروس وإيران، وهناك من يرى أن ما يحصل هو عملية ممنهجة للتدمير والتهجير من أجل بناء مستوطنات "شيعية" لاستبدال السكان، وتفكيك التجمعات السكانية الكبرى المعادية للنظام وفقاً لنظرية "الشعب المتجانس" والقرار رقم 10 لعام 2018، والقاضي بتنظيم المناطق
العشوائية المحيطة بدمشق ضمن وحدات إدارية وإخضاعها، وبذلك يأتي تدمير المخيم وأحياء جوبر والحجر الأسود والتضامن ومناطق كثيرة ضمن مخطط للإجهاز الكامل على حياة ملايين السكان، لصالح مافيات تابعة للنظام، والتي ستقيم عليها مناطق سكنية ومشاريع تجارية غالية الثمن، ولن يكون السكان الأصليون من مستهلكيها؛ إذاً لا بد من تهجيرهم وقتلهم وتدمير بلداتهم القديمة والمفقرة "الثائرة".
التهجير والتدمير سياسية ممنهجة لاجتثاث الثورة الشعبية، أي أن المناطق التي لم تثُرْ ظلت كما هي، مع إخضاع أكبر لها كحال "مناطق" الموالاة والرماديين في كل سورية؛ وهذا نقاش لن يتوقف إلا بعودة الأهالي إلى بلداتهم، وهذا مرتبط بحل سياسي، تقول الأحداث إنه لن ينصف أهل الثورة، وبالتالي ليس من عودةٍ قريبة للسوريين المهجرين.
لم تعد مشكلة سورية الآن التدمير والتهجير فقط، بل وكذلك الاحتلالات المتعددة.
لا يسمح النظام هذا بأي تهديدٍ لمصيره، ويتعامل مع التهديد وفقاً لخطورته، وليس من رادع يرتدع به؛ فعلى مشرحته يضع كل أساليب إخضاع الكائنات المسماة بشراً. الدول المتقدمة أيضاً ليست لديها مشكلة مع تلك الأساليب، شريطة توافق النظام مع سياساتها العالمية. يؤكد تاريخ النظام السوري منذ السبعينيات ذلك، وكذلك الصفقات التي عقدت بخصوص السلاح الكيميائي منذ 2013، وإلى الضربة الثلاثية التأديبية الأسبوع الماضي.
لم تكن مدينة أو بلدة أو قرية أو حي في سورية بمنأى عن الأساليب أعلاه؛ وشكلت الثورة الشعبية 2011 أكبر حالة تحدٍ للنظام؛ فكان رده أمنياً عسكرياً بامتياز. تدرّجت الممانعة بمحاولة إخضاع الشعب، واستخدام كل أصناف السلاح التي تمتلكها، لكن سياسة التهجير كانت الجديدة بتاريخها، والأسوأ على الإطلاق. ربما هي فكرة تخصّ السياسة الإيرانية في سورية، لكنها أيضاً سياسة روسية، وبكل الأحوال هي أيضاً سياسة النظام نفسه. أنظمة القمع والشمولية جميعها تمارس ذلك حينما تتهدّد بالزوال، والنظام السوري هُدّد بذلك، وكاد أن يسقط في العامين 2012 و2015، وبالتالي ليس أقل من الانتقام بالتهجير والتدمير والقتل أساليب عقابية إخضاعية. الاعتقال والسجن ممارسات طبيعية لنظام الممانعة والشمولية.
كانت الثورة هذه امتحانه الأكبر، فهو إمّا أن يخرج سالماً أو يسقط كما طالب الشعب حينما اشتدت ثورته، واشتد قمعه، بعد الأشهر الأولى من مارس/آذار 2011. مخيم اليرموك الذي أُسس 1957 وسمّي عاصمة الشتات الفلسطيني عايش ذلك، لكنه كان سورياً بامتياز، أي انضم للشعب في ثورته؛ وهنا كان لا بد من عقابه بشكل أشدٍّ! حُوصر المخيم حتى هلك من أهلهِ بالمجاعة أكثر من مائتي شخص في 2012، ولاحقاً عوقب بجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فتح هذا المخيم أبوابه في 2011 لاستقبال الملاحقين من المناطق المجاورة، ولاحقاً انتقلت الثورة إليه. وبذلك أسس الفلسطينيون رابطةً لا تزول أبداً من تاريخ سورية، ولا يغير في الأمر شيئاً تدمير المخيم بأكمله، وتهجير أغلبية الفلسطينيين إلى جهات الأرض.
ليس النظام وإيران وروسيا هم فقط من لم يرأفوا بأهالي عاصمة الشتات، وبمهجري نكبتي 1948 و1967 وسواهما، بل وحتى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي صمتوا، وكانت محاولاتهم لتحييد المخيم محبطة بالكامل. الحقيقة أنهم تركوا المخيم وفلسطينيي سورية لمصير أهالي سورية، أي لما ذكرناه أعلاه.
الممانعة التي ترفع شعار فلسطين كقضية مركزية، وتبتزّ الشعب بذلك، وأنها مقاومة، لم تتوانَ أو ترحم، بل إن تدميرها مخيم اليرموك لا يستند إلى أية حجة واقعية، فالمخيم وحيا الحجر الأسود والتضامن مناطق هامشية من حيث عدد المقاتلين فيها، و"داعش" مكروهة من كل الفصائل الإسلامية وغير الإسلامية الرافضة للنظام. وبخروج كل مسلحي الغوطة، وبمعاداة فصائل بلدات الجنوب "داعش"، تصبح أية حجة لتدمير المخيم لاغية. نعم، يستطيع النظام استعادة المخيم بقوات محدودةٍ، بل إن بمقدوره عقد اتفاقية لإخراج "داعش"، كما حال اتفاقيته مع داعش القلمون الغربي من قبل. وربما تسجّل مبرّرات التدمير ضمن سياسة تخفيف التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، حيث هناك تصعيد كبير بينهما، ولا سيما بعد قصف الأولى مطارات الشعيرات والتيفور والضمير؛ تدمير رمزية مخيم اليرموك مهم لإسرائيل.
هو مركز الحركة الفلسطينية تاريخياً، وفيه أكبر تجمع فلسطيني، وفيه مقرّات لكل هذه الحركة، وفيه مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية المستمرة، وأكبر خزان بشري للمقاتلين ضد إسرائيل. عدا ذلك هو مدينة كاملة، وفيه حركة ثقافية وتجارية نشيطة، والسوريون فيه أكثر من الفلسطينيين، وقد كان منطقة آمنة لمعارضين سوريين كثيرين، وظل عصياَ عن تدخّل النظام السوري بشكل سلس، بعكس بقية المدن السورية والمخيمات.
نظام الممانعة هذا، وهو يجتث منطقة تلو الأخرى في محيط العاصمة، يرسّخ تبعيته لكل من الروس وإيران، وهناك من يرى أن ما يحصل هو عملية ممنهجة للتدمير والتهجير من أجل بناء مستوطنات "شيعية" لاستبدال السكان، وتفكيك التجمعات السكانية الكبرى المعادية للنظام وفقاً لنظرية "الشعب المتجانس" والقرار رقم 10 لعام 2018، والقاضي بتنظيم المناطق
التهجير والتدمير سياسية ممنهجة لاجتثاث الثورة الشعبية، أي أن المناطق التي لم تثُرْ ظلت كما هي، مع إخضاع أكبر لها كحال "مناطق" الموالاة والرماديين في كل سورية؛ وهذا نقاش لن يتوقف إلا بعودة الأهالي إلى بلداتهم، وهذا مرتبط بحل سياسي، تقول الأحداث إنه لن ينصف أهل الثورة، وبالتالي ليس من عودةٍ قريبة للسوريين المهجرين.
لم تعد مشكلة سورية الآن التدمير والتهجير فقط، بل وكذلك الاحتلالات المتعددة.