عمر الشريف.. العابث الرائق

17 يوليو 2015

عمر الشريف ... عالم شاسع ومثير

+ الخط -
كان عمر الشريف فناناً كبيراً وموهوباً، لكن موهبته ليست استثنائية، فنجوم مصريون أكثر كفاءة منه، صلاح منصور ومحمود مرسي وعادل أدهم، مثلا. وليس تواضعاً منه أنه كان يقرّ بشيء من هذا، بل لمعرفته المؤكدة بالتمثيل، وقد قال، مرة، إن أحمد زكي أكثر موهبةً منه، ولو كان يعرف الإنجليزية لصار من نجوم "هوليوود". ولم يكن يستحسن وصفه أسطورة سينمائية، وهو الذي يرى أن "التمثيل مجرد حفظ حوار والنطق به أمام الكاميرا". بل وزيادة على هذا، يُخبر صحافيين في الدوحة، قبل أعوام، إنه كره معظم أفلامه، وكثيراً ما صرّح إنه أدّى أفلاماً رديئة في السينما العالمية، تحت ضغط الحاجة للمال الذي كان ينفقه من دون حساب. وإذا كان الإطناب وفيراً في الثناء على تميّزه في (دكتور زيفاغو، 1965)، فإنه يفاجئك بالقول إنه كان أبله في أدائه دوره ذاك. وإذ كرّر النجم الراحل قبل أيام عن 83 عاماً، أن المصادفات والحظوظ هي التي ساقته إلى السينما، وإلى العالمية والشهرة الواسعة، فإنه يؤشر إلى سمتٍ عبثيٍّ مكين في شخصه، وإنْ لا ينفي الأمر جديته وحبه عمله في السينما، وحرصه على الإجادة، وهو الممثل القدير بلا شك.

وسامته اللافتة، ولكنته ربما، وحيويته في شبابه، وحبه فاتن حمامة وزواجه منها، بعد قبلتهما الشهيرة في (صراع في الوادي، يوسف شاهين، 1954)، وولعه بالبريدج، ووفاؤه للقمار، هوايته المفضلة، ومشرقيته الإسكندرانية المنشأ، ومصريّته ذات المنبت الشامي، ومسيحيته التي غادرها إلى الإسلام، ووجوده على الشاشة العالمية، ممثلاً مع صوفيا لورين وجوليا كريستي وأنطوني كوين، أمثلة، في سنوات تألق هؤلاء وغيرهم، كل هذه المزايا التي تأتّت لعمر الشريف، منذ دوره ذاك في فيلم يوسف شاهين، وكان في الثانية والعشرين من عمره، صنعت له نجوميته، لا في السينما فحسب، بل بين أخبار المشاهير من كل لون. امتد الأمر عقوداً، حتى إذا شعر باقتراب غروب الأضواء هذه عنه، عاد إلى مصر، وهو الذي كان يأنف من نظام عبد الناصر، ثم شارك في فيلم بديع فيما أرى، (الأراجوز، هاني لاشين، 1989). وأدى أدوار بطولة في أفلام أخرى، جيدة وعادية. وللحق، كان الرجل يعي زمنه، وتصاريف الحياة، ولم يكن مدّعياً، ولا مكابراً، وكان يظهر في حوارات تلفزيونية ومؤتمرات صحافية، على أبهى ما يكون الفارس العتيق، والعارف بالأصول، والأنيق دائماً، والمحبوب والمعشوق، وإنْ في خريف العمر.

ليس من المجازفة في شيء أن يقال إن النموذج (الستايل) الذي كان عليه عمر الشريف هو ما أعطاه فائض النجومية الرائقة التي كان عليها، وربما أكثر من أفلامه التي لا شطط في الزعم، هنا، إن الذين قرأوا عنها أكثر من الذين شاهدوها، لا سيما من أجيالٍ لم تشعر بضرورة أن تشاهد (لورنس العرب، دفيد لين، 1962)، الفيلم الذي أطلق صاحبنا في العالم، ولا فيلمه عن تشي غيفارا (1969)، والذي شوّه الثائر الأممي الشهير، وندم عليه جداً، وكان بتمويل المخابرات الأميركية، على ما ذاع. ربما سعد جمهور الشباب الراهن بدور عمر الشريف في فيلم (حسن ومرقص، رامي إمام، 2008)، وقد يجوز الظن أن النجم العتيد إنما أراد حضوراً يسعفه مع عادل إمام في هذا العمل الذي يتسق مع مقولته، عندما يُسأل عن ديانته، فيجيب إنها التسامح، مع تأكيد بقائه مسلماً، منذ اقترانه بفاتن حمامة، قبل أزيد من خمسين عاماً.

عالم عمر الشريف شاسعٌ ومثير، فالحياة ومتعها وملذاتها، ولا سيما قبل الشيخوخة والتقدم في العمر، وإبّان شبابه في مدن الغرب المبهجة، كانت عناوين هذا العالم، كما حاله عابراً للثقافات والأمزجة، المشرقية والغربية، وللأديان ربما، وكذا حاله في السينما، إذ يكاد يختص بأدوار الغرباء، وهو الذي صار "مشخصاتياً" بالمصادفة، كما قال. وإلى هذا كله وغيره كثير، كان عمر الشريف فادحاً في عبثيته، وهو يقول إن أمواله من السينما حرام. 

 

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.