على ماذا يراهن وزير الخارجية الأردني؟
يعلن الأردن عن جديد وقائع حربه الضروس ومستجدّاتها، فخلال الشهر الماضي أُلقي القبض على ما يقارب ألف ومائة من تجّار المخدّرات ومروّجيها. جاء هذا الإعلان بعد يوم من زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق، حيث التقى بشّار الأسد (ووزير خارجيته فيصل المقداد).
وتُظهر الصور الرجلين على ودٍّ متبادل، ربما يكون من مقتضيات الدبلوماسية، أو لشعورٍ غامض لدى الأسد بالامتنان للأردن، وللوزير الصفدي شخصياً، الذي سبق أن زار دمشق في 15 فبراير/ شباط الماضي، وكان وراء اجتماع عمّان التشاوري الذي شهد أول مشاركة لوزير الخارجية السوري في اجتماع وزاري عربي، وكان مفتتحاً لخطوات تطبيعٍ واسعة النطاق بين المنظومة العربية ودمشق.
أياً يكن الأمر، فسياسات الدول لا يُمليها الودّ، بل المصالح، فالأردن الذي تحوّل إلى معبر للمخدّرات، وأغلبها قادم من سورية، والذي يستضيف نحو 1.3 مليون سوري، نحو نصفهم مسجّلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يسعى إلى تجنّب النار التي قد تنتشر على نحو يتعذّر وقفه داخل أراضيه، جرّاء استهدافه بالمخدرات، فخلال الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، أسقطت قواته المسلحة ثلاث طائرات مسيّرة محملة بما يعتقد أنه الكبتاغون والأسلحة، وهي قادمة من سورية، ولا يُعتقد أنها حُمّلت بالمخدّرات وحلّقت من دون ضوء أخضر رسمي.
تعرف عمّان ذلك، أو تُرجّحه، ولكن لديها أسبابها للمحاولة والسعي، فهي تريد وقف أنشطة التهريب من المصدر وبقراره، إضافة إلى تفكيك ممانعة النظام السوري العودة الآمنة للاجئين، وإنْ على مراحل قد تطول. وقد يتساءل بعضهم: لمَ لا يكون وقف التهريب شرطاً لتقدّم العلاقات مع دمشق، أو ثمناً كان يفترض أن تقبضه عمّان مسبقاً لدورها الحيوي في فكّ العزلة عن النظام السوري؟ يظل سؤال كهذا مشروعاً، لكنه يغفل طبيعة النظام السوري المتغطرس والعنيد، والتي تجعله ميّالاً إلى تعميم الخراب لا احتواءه. إضافة إلى مستجدّ أميركي حرصت عمّان على التساوق معه، وهو قانون الكبتاغون الذي من شأنه منح الأردن دوراً جديداً وكبيراً في عمليات مكافحة التهريب في المنطقة.
هذا يعني أن مقاربة الأردن هذا الملف تتحرّك على محورين: الأسد إذا رغب أو القوة بغطاء أميركي، وهو ما تفعله عمّان فعلياً التي غيّرت قواتها المسلحة قواعد الاشتباك مع المهرّبين بما يسمح لها باستخدام أي سلاح ممكن ومدمر لملاحقتهم، حتى داخل الأراضي السورية إذا اقتضى الأمر، فما يُعنى به الأردن هو تأمين حدوده، وحدث هذا في السابق بضماناتٍ روسيةٍ غير معلنة على الأغلب بإبعاد المليشيات المسلحة عن الحدود. وما يسعى إليه حالياً هو ألا تكون هذ الحدود معبراً للمخدّرات، بينما الهم الأكبر هو اللاجئون.
قبل وصوله إلى دمشق، بسط الوزير الصفدي مقاربة بلاده للمسألة السورية أمام عدد محدود من الصحافيين، بالقول إن المجتمع الدولي يدير الأزمة السورية مع إبقاء الوضع على حاله، وهذا يضرّ الأردن الذي يريد تغييراً جذرياً إذا أمكن، وإذا تعذّر فبالتدريج، فأعباء اللجوء تزداد والمساعدات الدولية تتراجع، والحال هذه لمَ لا تتصدّر عمّان الجهود لإقناع الأسد بعودة طوعية متدرّجة للاجئين مقابل انفتاح غربي متدرّج قد يحدث. لكن رهاناً كهذا يظل خاسراً في كل الأحوال، نظراً إلى طبيعة النظام نفسه الذي يرى أي انفتاح تجاهه نصراً له وهزيمة لمن يقوم به، ما يعني تشدّداً أكبر تجاه معارضيه ومواطنيه ما لم يكونوا "متجانسين". وأظن أن تصريحات فيصل المقداد بعد لقاء الصفدي مؤشّر إلى طريقة تفكير نظام الأسد إزاء مواطنيه ممن اضطرّوا للهرب من بلادهم للنجاة بحيواتهم، فالمقداد، وهو ليس من الصقور في المناسبة، لخّص مقاربة نظامه لعودة اللاجئين على هذا النحو: لكل سوري الحق بالعودة، لكن لا يوجد واحد منهم "دُفع دفعاً من الدولة" ليترك وطنه، والحال هذه فإنه ليس بحاجة إلى "بطاقة دعوة" للعودة. ماذا يعني هذا؟ العودة الطوعية قد تتحوّل إلى حبلٍ يلتفّ على أعناق الآلاف ممن يفكرون بها. أما رهان الصفدي على خطط متدرجة لتأمين هذه العودة، مثل إيعاز من الأسد بإلغاء قرارات، والقيام بخطواتٍ مثل العفو وتجديد وثائق السوريين في الخارج بدون تعقيدات، وعدم استجواب اللاجئين وذويهم في حال عودتهم، فدونها على الأغلب خرط القتاد.