عدي التميمي: المجد للأمهات الشاذات
على مَن كان يسدّد، عدي التميمي، رصاصته الأخيرة، وجسده على الأرض مسكونًا برصاص العدو؟ هل كان يطلق النار على الصهيوني اللص المحتل، أم على المتصهين العربي المتحالف مع الأعداء ضده؟ أم كان يطلق رصاصةً بمحاذاة أذني محافظ نابلس، اللواء إبراهيم رمضان، والمندوب السامي في المقاطعة هناك في رام الله، ليعلمهما أنّ الشهداء من الأبطال، أبناء أمهات متوضئات بالشرف والكرامة، ولسن "شاذّات ترسل ابنها للانتحار، وتظهر للآخرين أنها المناضلة" كما تطاول محافظ نابلس قبل أيام من ملحمته البطولية؟
المؤكد أنّ التميمي كان يكتب بدمه الردّ الوافي على بذاءات المحافظ الذي قال إنه يجري اتصالات مع المقاومين من أجل الوصول إلى اتفاقٍ لتسليم سلاحهم والحصول على عفو لهم من إسرائيل، ثم ادّعى زورًا أنّ الظرف ليس ظرف المقاومة المسلحة.
وجّه التميمي وهو يستشهد وسلاحه بيده لا يتوقف عن المقاومة حتى الموت، رسائله إلى الأمة التي تجتاحها نشوة الغاز فتجرف في طريقها الخرائط التاريخية، فلا تبقى ثمّة قداسةٌ للحدود الجغرافية، ويصير كل شيء قابلًا للتفاوض والمقايضة، ويصبح طبيعيًا أن تتنازل البلاد عن حدودها البحرية، ولا تمانع في تسييل خطوط الطول والعرض وتطويعها، من أجل المشاركة في ولائم الغاز المصنوعة من كبد فلسطين.
لم يصرُخ التميمي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، بل كان يهتف لعلّ صوته يُسمَع وسط ضجيج معارك الفنانات ومساخر التسريبات، ليفضح نظامًا عربيًا قرّر الانتحار بالدخول في تحالفاتٍ معلنةٍ وغير معلنة مع الاحتلال الصهيوني، متبجّحًا بأن ذلك من مصلحة فلسطين، من دون أن يُخفي العداء الصريح لمبدأ مقاومة الاحتلال، بل ويحرّض على المقاومين، ويرى أنّ للاعتدال تعريفًا واحدًا هو التطبيع مع العدو.
في لحظة تسطير عدي التميمي ملحمته، تتجدّد السفسطة ذاتها عن علاقات حركات المقاومة الفلسطينية مع المحور الذي لم يدخل حظيرة التطبيع، لمناسبة ظهور ممثل لحركة حماس مع دكتاتور سورية بشار الأسد، فتجد المقاومة نفسها تحت قصف راجمات الثرثرة التي تضع الصهيوني والمستبدّ العربي على درجة واحدة من العداء، وهذا منطقٌ قد يمكن القبول به مع غير المقاومين، ممن لا تؤرّقهم فكرة المواجهة بكل الأدوات مع المحتل.
الجدل نفسه حدث قبل شهور مع زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إلى لبنان ولقائه بأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، والكلام عما يسمّى "التطبيع مع النظام السوري" حيث ينهال بعضُهم بالسياط على المقاومة الفلسطينية التي انفضّ الجميع من حولها فراحت تبحث عمّا يعينها على البقاء والصمود لدى الأطراف التي بقيت في منأى عن التحالف مع الاحتلال.
ماذا تفعل المقاومة، وهي ترى الأشقاء والأصدقاء من أردوغان إلى السيسي وعساكر السودان وغالبية حكّام الخليج، منخرطين في مشاريع تعاون مع الصهيوني؟ وأي منطق وأي ضمير ذلك الذي يرى صورة مقاوم فلسطيني مع بشار الأسد أخطر على القضية وعلى العروبة والإسلام وأشد ضررًا على الثورة وعلى قيم الحرية والديمقراطية من صورة أردوغان مع رئيس الكيان الصهيوني، أو صورة السيسي أو ملك الأردن أو أبناء زايد مع رئيس وزراء الاحتلال؟.