16 نوفمبر 2024
عدن لا يليق بها التدمير
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
تتعرض عدن للتدمير، مثل مدن سورية والعراق وليبيا. ومرة أخرى، يأخذ الحاكم المستبد وأعوانه المدينة وسكانها رهائن في حسابات السلطة والثروة والنفوذ. لا يكتفي الحاكم ومليشياته بقتل البشر وتشريدهم، بل إنهم يدمّرون حاضر الشعوب وماضيها على الأرض، ويتصرفون، حيال العمران، كأنه ملكية خاصة يهدمونها، من دون أن يفكّروا بأي حساب. وهناك من يبرّر الأمر من منطلق أن الحروب حين تقوم لا يعود أحد يقيس المسألة من زاوية الأضرار التي تلحق بالعمران والناس، لكن هذه المقاربة لا تأخذ في الاعتبار أنّ من يدمّر بلادنا هم فئة من الحكام الطغاة، والأجهزة التي بنوها للدفاع عن السلطة، في حين أن الحروب التي يجري القياس عليها كانت تدور بين دول. ومع ذلك، حفظ القانون الدولي حق البلدان التي تتعرض للعدوان، وآخر مثال حي الغزوُ العراقي للكويت الذي دفع العراق تكاليفه كاملة كبلد.
وفي حال عدن، يقاتل الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وحلفاؤه الحوثيون، في شوارع المدينة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، تتمثل في إسقاط الشرعية وخلق أمر واقع على الأرض، يمكّنهم من التفاوض، لترسيخ المعادلة التي فرضوها بالقوة، بعد اجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي. ولكن، مع دخول عاصفة الحزم أسبوعها الرابع، تبدو هذه الفرضية عبثية، فهي كانت تصح في الأسبوع الأول، لو أنهم حققوا سيطرة كاملة على المدينة، أما وأنهم يقاتلون، اليوم، وسط جزر من مقاومة أهالي عدن، فإن كل ما يقومون به لا يمكن النظر إليه إلا من باب الانتقام من المدينة وأهلها الذين رفضوا استيلاء صالح والحوثيين عليها. صحيح أن من يقاوم في عدن يخدم، بشكل مباشر، الشرعية. ولكن، يغيب عن كثيرين أن القسم الأكبر من المقاتلين هم أهالي عدن الذين يدافعون عن مدينتهم، ويواجهون مشروع صالح والحوثي الذي ينظرون إليه كاحتلال.
وعلى العموم، حسابات تحويل عدن إلى ساحة مواجهة مستلّة من ذاكرة علي عبد الله صالح لاجتياح عدن عام 1994، ففي ذلك الحين، نجح من خلال احتلال عاصمة الجنوب التاريخية وربح معركة "الوحدة بالدم"، أما اليوم فالأوضاع مختلفة كليا، لأن عاصفة الحزم حدّدت، منذ اليوم الأول، أهدافها بأن عدن خط أحمر، وليست مطروحة ورقة تفاوض، بل تتجاوز المسألة ذلك إلى شطب صالح من المعادلة، وتحجيم الحوثيين إلى قوة مجرّدة من السلاح.
من يراقب الإصرار الذي تسير عليه عاصفة الحزم، ورد فعل صالح والحوثيين على العمليات العسكرية بالاستماتة في القتال داخل عدن، يصل إلى استنتاج صارخ أن القتال في زواريب المدينة لم يعد له هدف، وبات صالح وحلفاؤه في ورطة، لا يستطيعون تحقيق تقدم، وليسوا قادرين على التراجع. وفي هذا الوقت، الخاسر الأكبر هم أهل عدن الذين ذاقوا الويلات، بسبب الحروب على أرضها منذ عام 1986، حين تفجر الصراع داخل أجنحة الحكم في الجنوب.
يطرح تدمير عدن سؤالاً مهما بشأن مسؤولية الطرف المتسبب في الحرب عن أرواح البشر والعمران، وهذا لا يقف عند حدود اليمن، بل ينسحب إلى سورية والعراق وليبيا. والمفارقة الغريبة أن الهيئات الدولية المعنية لم تتحرك، من أجل وقف تدمير جزء من ذاكرة الانسانية في سورية والعراق. والمؤكد أن عدم الاكتراث الدولي ترك للمخربين أن يذهبوا بعيداً في أفعالهم، ولو كان العالم تحرك من أجل ردع بشار الأسد ومنعه من تدمير حمص وحلب، لما تجرأ "داعش" على تدمير آثار العراق. ولكن، يبدو أن التضحية بالعمران والبشر أقل كلفة من التدخّل لإزاحة طاغية.
وفي حال عدن، يقاتل الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وحلفاؤه الحوثيون، في شوارع المدينة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، تتمثل في إسقاط الشرعية وخلق أمر واقع على الأرض، يمكّنهم من التفاوض، لترسيخ المعادلة التي فرضوها بالقوة، بعد اجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي. ولكن، مع دخول عاصفة الحزم أسبوعها الرابع، تبدو هذه الفرضية عبثية، فهي كانت تصح في الأسبوع الأول، لو أنهم حققوا سيطرة كاملة على المدينة، أما وأنهم يقاتلون، اليوم، وسط جزر من مقاومة أهالي عدن، فإن كل ما يقومون به لا يمكن النظر إليه إلا من باب الانتقام من المدينة وأهلها الذين رفضوا استيلاء صالح والحوثيين عليها. صحيح أن من يقاوم في عدن يخدم، بشكل مباشر، الشرعية. ولكن، يغيب عن كثيرين أن القسم الأكبر من المقاتلين هم أهالي عدن الذين يدافعون عن مدينتهم، ويواجهون مشروع صالح والحوثي الذي ينظرون إليه كاحتلال.
وعلى العموم، حسابات تحويل عدن إلى ساحة مواجهة مستلّة من ذاكرة علي عبد الله صالح لاجتياح عدن عام 1994، ففي ذلك الحين، نجح من خلال احتلال عاصمة الجنوب التاريخية وربح معركة "الوحدة بالدم"، أما اليوم فالأوضاع مختلفة كليا، لأن عاصفة الحزم حدّدت، منذ اليوم الأول، أهدافها بأن عدن خط أحمر، وليست مطروحة ورقة تفاوض، بل تتجاوز المسألة ذلك إلى شطب صالح من المعادلة، وتحجيم الحوثيين إلى قوة مجرّدة من السلاح.
من يراقب الإصرار الذي تسير عليه عاصفة الحزم، ورد فعل صالح والحوثيين على العمليات العسكرية بالاستماتة في القتال داخل عدن، يصل إلى استنتاج صارخ أن القتال في زواريب المدينة لم يعد له هدف، وبات صالح وحلفاؤه في ورطة، لا يستطيعون تحقيق تقدم، وليسوا قادرين على التراجع. وفي هذا الوقت، الخاسر الأكبر هم أهل عدن الذين ذاقوا الويلات، بسبب الحروب على أرضها منذ عام 1986، حين تفجر الصراع داخل أجنحة الحكم في الجنوب.
يطرح تدمير عدن سؤالاً مهما بشأن مسؤولية الطرف المتسبب في الحرب عن أرواح البشر والعمران، وهذا لا يقف عند حدود اليمن، بل ينسحب إلى سورية والعراق وليبيا. والمفارقة الغريبة أن الهيئات الدولية المعنية لم تتحرك، من أجل وقف تدمير جزء من ذاكرة الانسانية في سورية والعراق. والمؤكد أن عدم الاكتراث الدولي ترك للمخربين أن يذهبوا بعيداً في أفعالهم، ولو كان العالم تحرك من أجل ردع بشار الأسد ومنعه من تدمير حمص وحلب، لما تجرأ "داعش" على تدمير آثار العراق. ولكن، يبدو أن التضحية بالعمران والبشر أقل كلفة من التدخّل لإزاحة طاغية.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
09 نوفمبر 2024
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024