ضد "أسرلة" الثقافة

06 فبراير 2016

نسرين فاعور: التزامنا وولاؤنا الوحيد لقضيتنا الفلسطينية

+ الخط -
عندما فازت فلسطين بجائزة الكرة الذهبية في "هوليوود" في العام 2006، عن فيلم هاني أبو أسعد "الجنة الآن"، ارتعش إسرائيليون، واحتجوا، بزعم أنه ليست هناك دولة اسمها فلسطين، و"لا يجوز للقائمين على الجائزة تقرير الحدود والاعتراف بكيانات سياسية". كانت تلك الواقعة واحدةً من تخاريف إسرائيلية، تظهر فزع العصابة الحاكمة في تل أبيب من قوة الهوية الفلسطينية. يدلّ على الفزع نفسه أن وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، أعلنت، قبل أيام، أنها تعتزم تقديم اقتراح قانون "الولاء في الثقافة"، في البرلمان (الكنيست)، يشترط إعلان المؤسسات الثقافية (العربية أساساً) الولاء لدولة إسرائيل، لمنحها ميزانياتٍ مالية. ويُشكر الزملاء في موقع "عرب 48" على استطلاعهم آراء مثقفين وفنانين فلسطينيين في وطنهم الذي أقامت فيه إسرائيل دولتها في نكبة 1948. سخروا من بدعة الوزيرة الليكودية، وأكّدوا المؤكد. ومنه قول الممثلة نسرين فاعور، إنهم يريدون إثبات وجودهم وكيانهم على حساب محو الهوية الفلسطينية واللغة والفن العربيين، و"التزامنا وولاؤنا الوحيد هو لقضيتنا الفلسطينية". وقول الفنان محمد بكري إنه يخجل من أن يحصل على مال من حكومة إسرائيل الفاشية، و"رسالتي التي أحملها تتناقض كل التناقض مع الرواية الإسرائيلية".
ولا يزيد صاحب هذه الكلمات في الطنبور وتراً في تأشيره، هنا، إلى أن معركة الفلسطينيين هناك في حماية ثقافتهم وعروبتهم في صدارة المشروع الوطني الفلسطيني. وعندما تعلن فتاةٌ من حيفا، اسمها رنا رسلان، قبل ستة عشر عاماً، غداة فوزها بلقب ملكة جمال إسرائيل، رفضها عرضاً أن تكون سفيرة شرف للدولة العبرية في الخارج، برتبة 150 ألف دولار سنوياً، لتقوم بالدعاية لـ"التعايش غير العنصري" فيها، فذلك يعني أن مشروع إسرائيل أسرلة العرب الذين يحملون جوازات سفرها خائب. يؤكد هذه البديهية إعلان المخرج اليافاوي، إسكندر قبطي، في هوليوود، في 2014، عندما تنافس فيلمه "عجمي"، (أنجزه مع صديق له إسرائيلي)، على جائزة الأوسكار للفيلم الأجنبي، إن فيلمه لا يمثل إسرائيل، وإنه شخصياً لا يمثلها. وقد أراد قبطي، في قولته هذه، في تظاهرةٍ سينمائيةٍ عالمية في أميركا، التحذير من أن تكون إضاءة الكاميرات عليه، في حينه، تقديراً لإسرائيليته المدوّنة في جواز سفره.
مقادير الالتباس غزيرة في واقع أهل فلسطين هناك، منها ما يخصّ هويتهم (الجريحة؟)، وقد أشار عزمي بشارة مرّة إلى "طاقةٍ كامنةٍ هائلة" في تناقضات هذا المجتمع. ولعل الإجماع العريض على رفض مقترح قانون ميري ريغيف، أخيراً، يأخذنا إلى هذه الطاقة، والتي ذكّرنا بها إسكندر قبطي ورنا رسلان، قبل أعوام. وتستثير هذه الطاقة حاجةً ملحة للحفر عميقاً في مسألة الهوية الوطنية في فلسطين الأولى. وكان جهداً تحليلياً، ومركزياً، في ذلك، أنجزه عزمي بشارة في كتابه "العرب في إسرائيل.. رؤية من الداخل" (طبعة ثالثة، بيروت، 2010). وقد أشير فيه إلى عملية "الأسرلة" التي تنشط فيها الدولة العبرية، في المستويات الثقافية والتعليمية والتربوية. ومع سقوط بعضهم في هذا القاع، إلا أن التيار العروبي ظل على صموده وجسارته.
ومن أرشيفٍ يقلق ميري ريغيف، لأنه يحيل إلى "الطاقة الهائلة" الكامنة في تناقضات الحالة العربية الفلسطينية، أن أهالي سخنين رفعوا العلمَ الفلسطينيّ في احتفالاتهم بفوز ناديهم بكأس إسرائيل في كرة القدم في 2004، وصرّح رئيس بلدية البلدة، في حينِه، إنّ الفوز الحقيقيّ عندما تقوم دولة فلسطين وعاصمتها القدس. وواحدٌ من أبناء سخنين، اسمه عباس صوان، لعب في منتخب إسرائيل في كرة القدم، وأنجزَ له نجاحاتٍ مهمّة في مبارياتٍ دوليّة، فوصفته "معاريف" مرّة بأنه "بطل إسرائيل"، وهو الذي لم يكن يردّد "النشيد الوطني" الإسرائيلي مع بدء تلك المباريات... ثم تأتيك وزيرة مأفونة، وتريد الولاء لدولة النهب والاستيطان.
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.