صيف أوكرانيا يترقّب المنتصر

صيف أوكرانيا يترقّب المنتصر

10 يونيو 2023
+ الخط -

أظهر تفجير نوفا كاخوفكا في أوكرانيا، الثلاثاء الماضي، أمراً يكاد يغيب عن الواجهة: روسيا وأوكرانيا ليستا في وارد الاستسلام، في واحدةٍ من أشرس الحروب بين بلدين منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). سيمرّ وقت طويل قبل تبيان حقيقة من يقف خلف التفجير. إذا كانت موسكو، فإنها قد وجّهت تحذيراً غير مباشر: السدّ أولاً، ثم محطّة زابوريجيا للطاقة النووية ثانياً، والسلاح النووي ثالثاً. أما في حال كانت أوكرانيا هي التي ارتكبت التفجير، فقد أكّدت على ثلاثية جوهرية لعنوان معركتها: لا أحد سيمنعها من مواصلة عملية تحرير كل أراضيها بما فيها شبه جزيرة القرم، ولن تقبل بالحضور إلى أيّ مفاوضاتٍ قبل استكمال التحرير، ومستعدّة لاستخدام كل ما يلزم لتحقيق ما تصبو إليه.

قد يكون جنوناً بالنسبة لمن لا يعرف سليلي العرق السلافي بكل تشعّباته، لكنه ليس جنوناً ولا وهماً لهم. كانت باخموت نموذجاً دموياً عن دولتين دفعتا جنودهما إلى ساحة قتال، الحياة فيها موت. صحيحٌ أن البادئ أظلم، وهو روسيا في هذه الحالة، إلا أن الشراسة التي تتبدّى دائماً في "حروب الإخوة"، تغذّيها عصبياتٌ لا ترحم من التشابكات العقائدية والعرقية والمجتمعية.

بات تفجير السدّ "من التاريخ". تفاصيل المعارك المقبلة تُبنى عليه. المفارقة أن تاريخ التفجير، في 6 يونيو/ حزيران الحالي، قريبٌ من تواريخ سابقة بدّلت من وجه العالم. إنزال النورماندي في فرنسا، تمّ في 6 يونيو 1944، وأدّى نجاحه إلى اندحار الجيش الألماني النازي، وسقوطه لاحقاً في برلين. بين 5 و10 يونيو 1967، اجتاح الإسرائيليون سيناء المصرية والجولان السوري وشرق الأردن والأراضي الفلسطينية. أفضت تداعيات هذا الاحتلال إلى تغيّر الواقع السياسي في الشرق الأوسط. 6 يونيو 1982، اجتاح الإسرائيليون بيروت، ليتغيّر وجه لبنان ومساره. تفجير سدّ نوفا كاخوفكا سيدفع الأمور إلى تبدّل في الغزو الروسي لأوكرانيا.

قبل التفجير وبعده، لاذ الأوكرانيون بالصمت حيال ما إذا بدأوا فعلاً بالهجوم المضادّ المنتظر أم ليس بعد. تحدّث الروس بالعكس، مشيرين إلى أن الهجوم بدأ منذ الأحد الماضي. ويواكبون تحديثاته يومياً، سواء ببيانات وزارة الدفاع الروسية أو بإعلانات وزير الدفاع سيرغي شويغو. يتكلم الأميركيون عن بدء الهجوم المضادّ، وعن خسائر أوكرانية فادحة في المعارك الأولى في زابوريجيا.

بغضّ النظر إنْ كان انتظار إعلان رسمي من السلطات الأوكرانية عن بدء الهجمات أم لا ملحًّا، إلا أن تفجير السدّ سيُنهي جموداً طال منذ الخريف الماضي تقريباً، عدا مدينتي باخموت وسوليدار في الشرق. ستتسارع الحركة في المرحلة المقبلة، وفقد الجيش الروسي عملياً زخمه بعد الأيام الأولى للغزو، الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط 2022. وما المشاركة المتنامية لـ"فاغنر" و"قوات أحمد" الشيشانية إلا تأكيدٌ على تراجع حافز القوات الروسية. في المقابل، يحتاج الزخم الأوكراني إلى أكثر مما فعله في خاركيف وخيرسون في أواخر الصيف الماضي. لا يتعلق الأمر بصواريخ بعيدة المدى أو مقاتلات أميركية، بل بواقع ما إذا كان الجيش والقيادة السياسية قادريْن على إلهاب الحماسة لدى الجنود والشعب، للقيام بهجوم واسع.

مع ذلك، رسائل تفجير السدّ كفيلة بالإيحاء بأن ما سبق من معارك في أوكرانيا سيكون نزهة مقارنة مع ما هو آتٍ. ولعل ذلك ما دفع إلى ظهور مؤشّرات على احتمال إرسال قوات من حلف شمال الأطلسي إلى الأراضي الأوكرانية. الأمر مستبعدٌ اليوم، لكنه سيحصل غداً. تكفي متابعة تدرّج المواقف الألمانية والفرنسية والأميركية في شأن دعم أوكرانيا منذ اندلاع الحرب، لإدراك أن انتشار قوات أطلسية في قلب أوكرانيا ليس خيالاً.

الصيف الآتي في أوكرانيا سيكون الأقسى على كييف وموسكو، منذ دُقّ النفير عند اجتياح القوات النازية الشرق الأوروبي في أربعينيات القرن الماضي. وبعد ذلك، تبدأ ملامح المنتصر بالبروز.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".