صور من بيت الموتى السوريين
أراد النظام السوري أن يغطّي حفرة حي التضامن، ويحرف الاهتمام المركّز، محليا وخارجيا، على جريمة إعدام جماعي لـ41 مدنيا وإحراق جثثهم، بإصدار قرار عفو عام عمّا يسميها جرائم الإرهاب، والإفراج عن عشرات المعتقلين. واختار توقيت عيد الفطر كي يخلط الأوراق، وفي ظنّه أن فرحة بعضهم بعودة أولادهم من بيت الموتى سوف تطغى على أحزان وآلام المنكوبين من أهالي ضحايا مجزرة حي التضامن، الذين تعرّف عليهم بعض ذويهم من الصور التي تسرّبت، ومنهم الفلسطيني من أبناء مخيم اليرموك وسيم عمر صيام، الذي كان قد خرج لشراء أسطوانة غاز ولم يعد، ويبدو أن الحاجز القريب من منطقته استوقفه وساقه إلى هناك من دون تهمة محدّدة. ومثل هذا الرجل كثيرون اعتقلتهم أجهزة النظام، وصاروا في عداد المختفين قسريا، ومن بين هؤلاء سوريون وفلسطينيون، لم توثّق الهيئات المختصّة أسماءهم. وبالتالي، لا يعرف أحد عنهم شيئا، وتبيّن، من عملية الإفراجات الأخيرة، أن هناك سجناء مجهولون لجهة أسباب الاعتقال وظروفه، وبعض هؤلاء فقد الذاكرة في السجن.
الصور هي التي فضحت النظام، بينما أراد منها أن تغطّي على الحفرة، وكشفت أنها على اتساع المقبرة الجماعية السورية المفتوحة وعمقها ومداها. وخلال أيام العيد، تحولت صور الأهالي المنتظرين تحت الجسر من حالة انتظار الفرج والإفراج عن المعتقلين إلى عزاء جماعي، ولقاء للمكلومين الذين يترقبون منذ سنوات عودة أبناء، وأزواج، وأشقاء، وأقارب. تجمهروا بالآلاف تحت الجسر في حي الميدان وسط دمشق المعروف بجسر الرئيس، وصار اسمه لدى السوريين جسر الكلب. ومن بين اللقطات القاسية التي تداولتها وسائل التواصل رجل يعرض صورة شقيقه المعتقل على أحد المفرَج عنهم، مستفسرا عما إذا التقى صاحب الصورة في السجن أو شاهده، وكانت المفاجأة أنه هو الشخص المعني، ولكثرة ما لقيه من أهوال في السجن لم يتعرف عليه شقيقه، ولكن المفقود العائد من بيت الموتى تعرّف على صورته التي يعود عمرها إلى عشر سنوات، وهناك صور أخرى كثيرة وثقتها كاميرات الهواتف النقالة، وعرفت طريقها إلى وسائل التواصل، لتشكّل مجتمعة ألبوما للرعب في سجون آل الأسد. وكل واحدة منها رواية عما وراء القضبان، من تعذيب وتحطيم للسورين الذين حلموا بالحرية، ومرآة تعكس وجه هذا النظام الذي لم يترك أيا من أنواع الجريمة لم يرتكبه، وتجسّد قسماته وآثاره الموجودة في كل مكان. وأكثر ما تفصح عنه حالات وجوه الذين عادوا من سجون الأسد وتعابيرهم، وما تقوله صورهم وأشكالهم وردود أفعالهم، أنهم كانوا مدفونين تحت الأرض في مكان بعيدا جدا، ولكن أجسادهم لم تتحلل، لأن أرواحهم جديرة بالحياة والكرامة.
هناك 86792 مخفيا قسريا لدى النظام منذ مارس/ آذار 2011، بينهم 1738 طفلاً و4966 امرأة، موثقة أسماؤهم لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وجرى رفع قضيتهم أكثر من مرة إلى منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة، ونصّ قرار مجلس الأمن 2254 على ضرورة الإفراج عنهم من أجل تسهيل المفاوضات بين النظام والمعارضة، ولكن النظام لم يلتزم، بل إنه يفرج بين حين وآخر عن بعض الجثث، كما حصل في فبراير/ شباط الماضي عندما سلم أهالي 54 مفقودا من بلدة دير العصافير عبر السجل المدني إشعاراتٍ تقرّ بوفاتهم في السجون، ليرتفع عدد الذين اعترف بموتهم إلى 1056 منذ مطلع 2018. وهذا لا يعني أن هذا هو العدد النهائي للوفيات التي لم يعترف النظام بها كلها، وما وثقه قيصر وحده هو 6860 قتيلاً من بين 55 ألف صورة قام بتهريبها، لتشكل شهادة على جريمة إبادة لا مثيل منذ جرائم هتلر وستالين.