صلاة السيسي كم ركعة؟
في لحظةٍ يبدو فيها أن المنطقة حشرت في نفق الطائفية، استدعاء لمواجهة مذهبية، تقضي على ما تبقى من وشائج، على المستوى الإقليمي، يطل بطريرك الكنيسة المصرية بخطاب عنصري طائفي استعلائي، يحتوي قدراً هائلاً من الدجل السياسي، متوشحاً بالدين.
تواضروس الذي وضع الكنيسة في خدمة الانقلاب، ولم يخف المطالبة بالثمن، أجرى حواراً تلفزيونياً، في تزامن عجيب مع تطاير شرر الاحتراب الطائفي، على خلفية الأحكام التي أصدرتها السلطات السعودية، بإعدام عشرات، من ضمنهم رجل الدين الشيعي المعارض، نمر النمر.
بالمناسبة، هناك 46 آخرون شملهم حكم الإعدام، لم يبك عليهم أو يتذكّرهم أحد، كما فعلت طهران وتوابعها في الدوائر الحقوقية والفضائيات التلفزيونية العربية.
وبالمناسبة أيضاً: هل نحن بصدد تدريب جديد للأذن العربية، في القاهرة تحديداً، على سماع كلمة "الإعدام" بحق المعارضين السياسيين الذين يكفي لإعدامهم أن تلصق عليهم "ستيكر" إرهاب؟
وبكل المناسبات: ما الجريمة في أن يكون الانحياز للإنسان بإطلاق، من دون التوقف عند دينه أو مذهبه أو عرقه؟
سئل تواضروس، في برنامج "أنا مصر"، المذاع على قناة "الأولى المصرية" عن ترشح مواطن مسيحي على قوائم السلفيين، فرد "دهشت من ترشح شخص يدين بالمسيحية، للانتخابات البرلمانية على قائمة حزب النور بعد انضمامه إليه، فلا أفهم كيف ينضم شخص لكيان معينٍ له مبادئ ومفاهيم تخالف المبادئ التي يؤمن بها، فالظلام والنور لا يعيشان معاً".
لست بصدد الدفاع عن حزب النور، المنتسب للسلفية، فدور هذا الحزب في التآمر على الثورة المصرية، وإسهاماته، باسم الدين، في خدمة انقلاب السفاحين والقتلة، لا تقل بأي حال عن إسهامات رأس الكنيسة، فضلاً عن أن التناغم والانسجام والتوافق التام بين رأس الكنيسة ورأس الجماعة السلفية، تواضروس وياسر برهامي، بلغ حداً مذهلاً، صار كثيرون لا يفرقون معه، بين الملامح الشكلية لكلا الرجلين.
ما يستوقفني، هنا، أنه بعد انتهاء مدة صلاحية "النور السلفي" للاستعمال في مؤسسة الانقلاب، وانفراد "نصف الانقلاب الآخر" بعناية زعيم الانقلاب، يتحدث تواضروس عن نفسه وعن كنيسته وعن مسيحيته، باعتبارهم "النور" في مواجهة "الظلام" الذي هو حزب السلفيين، بمرجعيته وإسلاميته.
هنا اللعب بالنار، والعبث الذي لا يليق من شخصٍ يجلس على قمة السلطة الكهنوتية في مصر، حيث لا يكتفي بذلك، بل يذهب إلى ما هو أبعد وأخطر، حين يقطع بأنه لا يوجد في المسيحية ما يعرف بتجديد الخطاب الديني.
لا يقبل الرجل بتجديد خطاب ديني مسيحي، لكنه وغيره يشعلون المدى كلاماً وحديثاً عن حتمية تغيير الخطاب الديني الإسلامي وتجديده، مع ما في ذلك من إحالات وإيماءات إلى مشكلات جذرية في النصوص.
دعك من أن كلام تواضروس بشأن النفي المطلق لوجود موضوع تجديد الخطاب الديني المسيحي، تدحضه مئات الوقائع التاريخية والدراسات العلمية، بل إنه لا يزال قضية للجدل والاشتباك بين ممثلي الكنائس المختلفة في مصر، فالرجل يعفيك من البحث في تاريخ الكنيسة، في أوروبا والشرق، حين "يقترف"، هو شخصياً، عملية تجديد وتجديف وتغيير في الخطاب، حين يقطع بوجوب الصلاة من أجل عبد الفتاح السيسي كل يوم، لأنه "شايل مصر على كتافه، ولازم نصلي له كل يوم".
هل في العقيدة المسيحية التي لا ينبغي أن تمتد لها يد التجديد أبداً ما ينص على لزومية الصلاة من أجل حاكم مستبد فاشل؟ ثم.. أليس ذلك عبثاً بالخطاب وتطويعاً واستثماراً له، وتجارة رخيصة به، من رأس الكنيسة لمجاملة (منافقة أفضل) رأس السلطة السياسية؟
سؤال آخر: أليس ذهاب الأنبا تواضروس إلى القدس، تحت هيمنة المحتل الصهيوني، تجديداً وتبديلاً لخطاب مسيحي بابوي ثابت ومستقر، تركه البطريرك السابق شنودة، يحرّم ويجرم زيارة المقدسات المسيحية في فلسطين وهي تحت الاحتلال؟
ننتظر إجابة من "بابا الانقلاب العسكري" تتضمن بياناً بعدد الصلوات التي يجب أن يؤديها الشعب من أجل الطاغية كل يوم.