صفّارات إنذار في الكويت

09 نوفمبر 2017
+ الخط -
تُراها المصادفة وحدها جمعت في الكويت في يوم واحد، أول من أمس الثلاثاء، الحدثيْن: تجربة أجهزة الدفاع المدني صفارات إنذارٍ جديدة، فسُمعت أصواتها (نغماتها الثلاث بحسب بيان رسمي) في جميع أنحاء البلاد، للتأكد من صلاحيتها بشكل دائم ومستمر، ولتذكير المواطنين والمقيمين بأهمية اتباع التعليمات والإرشادات عند الطوارئ، وفي أوقات السلم والحرب. والحدث الثاني تحذير أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، من أنه "لن يتردّد في اتخاذ أي قرار، في حال اضطرّ إليه، يضمن للبلد أمنه واستقراره، ويحفظ مستقبل أبنائه". وذلك في رسالةٍ منه إلى أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، أكّدت على أهمية "الحفاظ على الوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية، ورفض أي اصطفافاتٍ طائفية، أو قبلية، أو فئوية". وقد أبلغ الرسالةَ إلى النواب رئيس المجلس، مرزوق الغانم الذي تحدث عن "تطوراتٍ خطيرة متسارعة يشهدها إقليمنا الملتهب"، قال إن "الكويت ليست في منأىً عنها". 

لا حاجة إلى التذكير بالمعلوم، وموجَزه أن أمير الكويت أشهرَ، في الأسابيع الأخيرة، أكثر من تنبيهٍ إلى مخاطر ماثلةٍ في منطقة الخليج، واقترب من نعي مجلس التعاون الخليجي. وكان قبل ذلك قد تحدّث، في واشنطن، عن نجاحه في ثني دول حصار قطر عن القيام بعمل عسكري. والجديد في رسالته، أول من أمس، أنها تُوازي بين مستجدّاتٍ في بلاده وأجواء الإقليم، ويشير إلى ما ألحّ عليه مراتٍ، في وقائع عديدة، منذ تولّى السلطة قبل أحد عشر عاما، بشأن الحفاظ على الوحدة الوطنية، مثلا، وفي البال أن أي برلمانٍ في الكويت لم يكمل مدّته، في هذه السنوات. وقد وجدت قراءاتٌ للرسالة التي أعلنت يوم إطلاق صفّارات الإنذار أنها تلوّح بحلّ مجلس الأمة الحالي، بعد اشتباكه مع الحكومة التي استقالت، الأسبوع الماضي، تفاديا لاستجواب أحد وزرائها من العائلة الحاكمة. والبادي، أقلّه حتى كتابة هذه الكلمات، أن هذا الاحتمال مستبعد، وأنه قد يكون الكيّ علاجا أخيرا، لا سيما أن المشاورات جاريةٌ لتشكيل حكومة جديدة، من المرجّح أن تُراعي مزاج المعارضة الحاضرة في البرلمان، من قبيل استبعاد أسماء، والترضية بأخرى.
الحادث، إذن، فصلٌ مماثل من الإشكالات المعهودة (والتقليدية؟) في التفاصيل السياسية الكويتية، ولعله يعود، كما وقائع سابقة مشابهة، إلى التحسّس الظاهر لدى الحكم من طموحات تكتلاتٍ وفاعلياتٍ برلمانية، منذ سنوات أو عقود، إلى لعب دور رقابي أقوى، وأكثر تأثيرا في المشهد الداخلي العام، الأمر الذي لا تستقبله الحكومات بارتياحٍ وتجاوبٍ لازم، وغالبا ما يتم الردُّ عليه بحل البرلمانات، والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة. ويمكن إدراج تعديل قانون الانتخاب، في العام 2012، بصوتٍ للناخب بدلا من أربعة، في هذا المسار. الأمر الذي أغضب المعارضة، وجعل شخصيات فيها تقاطع البرلمان، قبل تسوياتٍ تمت في هذا الشأن، يبدو أن تنفيذها يشهد تعثرّا، لتداخلاتٍ وحساباتٍ كثيرة، ارتبط بعضُها، نوعا ما، مع التوجه إلى استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الإعلام بالوكالة، محمد العبدالله الصباح (المرشّح لتولي وزارة الخارجية).
وعندما يشدّد الشيخ صباح الأحمد على تحلي النواب بأخلاق رجال الدولة، في رسالته، بعد أيامٍ على قوله إن "تصويب مسار العمل البرلماني أصبح استحقاقا وطنيا لا يحتمل التأجيل"، فذلك يشير إلى أن ثمّة اختلالا في مكانٍ ما في موازين العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة. على أن الجديد في هذا أن الإقليم الآن ملتهب، وأن الكويت ليست في منأىً عن تأثيرات هذا الالتهاب. وفي الوسع أن يزيد مجتهدٌ مراقبٌ لهذا الحال، فيقول إن ثمّة "استشعارا" باديا في المزاج العام في البلاد، في قطاعاتٍ من الرأي العام وفي بعض الصحافة، أن ما استُهدفت به قطر من اتهاماتٍ وحصارٍ ومقاطعة، ومن تطاولٍ وتجرؤ عليها، وعلى شعبها ورموزها، يمكن أن يصيب الكويتَ ما هو مماثلٌ له، أو درجاتٌ منه، في ظرفٍ آخر، وزمنٍ آخر. واللغة، الحادّة أحيانا، في انتقاد الكويت وتصريحات أميرها، ووساطتها في الأزمة الخليجية، في صحافاتٍ سعوديةٍ وإماراتيةٍ وبحرينيةٍ، من شواهد المتحدّث عنه هنا.
قصارى القول، ثمّة صفارات إنذار تنطلق في الكويت، باتجاه الداخل والخارج، ليس كافيا سماعُها، وإنما تفادي ما أنذرت بشأنه من أخطار، حمى الله الكويت وسيّجها بالأمن والأمان.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.