صعود زياد مُقاوِماً

16 ديسمبر 2014

زياد أبو عين .. شهيدا متدفئا بالعلم الفلسطيني (ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
لا رتبة الوزير زياد أبو عين، ولا انخراطه في عملية أوسلو، شفعا له في لحظة مواجهة مباشرة مع الاحتلال، فالجندي الإسرائيلي الشاب رأى في زياد الوزير ما رآه أجداده في زياد الطالب قبل ثلاثة عقود، مجرد فلسطيني عقوبته الموت، أو الأسر، خصوصاً إذا تجرأ على مواجهة الاحتلال.
في 1979 وأوائل الثمانينيات، كانت قضية زياد أبو عين من أهم عناوين المرحلة النضالية: اعتقال السلطات الأميركية الطالب زياد، ثم تسليمه لإسرائيل في 1982، رافق بداية تأسيس الاتحاد العالم لطلبة فلسطين في أميركا، كفرع للتشكيلة الطلابية، التي شكلت رافداً تاريخياً لتعبئة الشعب الفلسطيني، وضم قطاعات واسعة منه، تحت مظلة منظمة التحرير.
جاء الاعتقال مؤشراً إلى مرحلة جديدة في سياسات إسرائيل وأميركا المعلنة في القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي توجت عملياً بالغزو الإسرائيلي للبنان، وحصار بيروت في صيف عام 1982، وإجبار المنظمة على الرحيل. ومن هنا، جاءت مقولة " باي باي م.ت.ف" الشهيرة لزبغينيو بريجنسكي، مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي.
اعتراف زياد، تحت التعذيب، بقتله إسرائيليين، بعد إصراره على البراءة، وحكمه بالسجن، ومن ثم إطلاق سراح ضمن عملية شهيرة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة في عام 1985، تضع زياد في صفوف آلاف الشبان الفلسطينيين، الذين انخرطوا في المقاومة منذ سنوات المراهقة، أي أن معظم حياتهم لم تنفصل عن مسيرة منظمة التحرير، بانتصاراتها وهزائمها.
شارك زياد في الانتفاضة الأولى، وكان جنباً إلى جنب مع رفيقه مروان البرغوثي في الانتفاضة الثانية، حتى إن الجيش الإسرائيلي اعتقل القائد الفتحاوي في منزل صديقه زياد عام 2002، بعد أن لجأ هناك بعد فترة من الاختفاء من المطاردة الإسرائيلية.
قبول زياد أبو عين "أوسلو"، وإن كان مخيبا في حينه، لم يكن استثناء، فشباب كثيرون مثله، ومنهم مروان البرغوثي الذي وجد في "أوسلو" بداية لإيجاد واقع جديد. لكن، رفض مروان الحل الذي حاول الأميركيون فرضه في "كامب ديفيد"، مؤيداً موقف الرئيس الراحل، ياسر عرفات، ونزل إلى الشارع للمشاركة في الانتفاضة الثانية.
زياد أبو عين جزء من الرواية الفلسطينية، خصوصاً لأنها تعكس المراحل التي مرت بها كوادر منظمة التحرير، فمعظمهم ترك كل شيء في حياته، أو محاولة بناء مستقبل فردي، وانخرط في صفوف المقاومة. وانتهى كثيرون منهم أعضاء في سلطة فلسطينية، منزوعة السلطة، تعتمد على قبولها ما يسمى "التنسيق الأمني" مع إسرائيل، بتأثر بوهم "السلام عن طريق مفاوضات"، لا تعترف بالحقوق الفلسطينية، أو بتأثير يأس أو إغراء السلطة.
مهما كانت الأسباب التي دفعته إلى القبول بمعادلة تضحياته، وجد زياد نفسه، في لحظاته الأخيرة، وجهاً لوجه في مواجهة مع الاحتلال. الغضب والحزن في عيون زياد في الفيديو الذي التقط اللحظات الحاسمة، قبل انهياره، بعد اعتداء الجنود الإسرائيليين عليه، قد يكون مرده أن زياد اكتشف أنه عاد إلى البدايات، بداية الشاب زياد الذي صحا على واقع الاحتلال ورفضه ورفض الظلم.
لحظة نهاية زياد مقاوماً، هي عودة إلى لحظة بدايته مقاوماً فلا يوجد أمام الفلسطيني سوى خيار المقاومة، لأن زرع أشجار الزيتون مثل كل أشكال المقاومة، تثبيت لهوية الأرض والإنسان الفلسطيني، لا يسمح بها الاحتلال.
لم ير الجنود الإسرائيليون أمامهم وزيراً فلسطينياً، بل فلسطينياً لا أهمية لكرامته وحياته، "فالتنسيق الأمني" الذي يحافظ على أمن الإسرائيلي يتطلب قمع الفلسطيني وقتله، لا فرق، فسقط زياد ضحية التنسيق الأمني، لكنه مات مقاوماً وواقفاً.