09 نوفمبر 2024
شهيد صحافة الرأي
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
جمال خاشقجي شهيد جديد يدخل سجل شهداء الصحافة العربية الذين دفعوا حياتهم في الدفاع عن حرية التعبير. ويستحق هذا الكاتب الحر وسام شهيد صحافة الرأي، لأنه تجرأ على قول كلمة حق في زمن صعب، ووقف موقفا جريئا حيال التحولات التي تشهدها السعودية في الداخل والخارج. كتب خاشقجي ضد حملة الاعتقالات الواسعة التي بدأها ولي العهد، محمد بن سلمان، منذ عام، من أجل تطويع المجتمع السعودي، في إجراء احترازي قبل اعتلاء العرش. وقال رأيه الصريح في التوجه السياسي العام للملك القادم في ما يخص محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن ودور السعودية الذي برز في الضغط على الفلسطينيين، من أجل التنازل عن القدس، وتجلى في الصمت الرسمي تجاه قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، هذا بالإضافة إلى معارضة استمرار الحرب على اليمن ومحاصرة قطر.
وعلى الرغم من أن خاشقجي لم يكن ينتقد من موقع المعارضة السعودية المعروفة، فإن محمد بن سلمان ضاق بهذا الرأي، ولم يعجبه أن يخرج إعلامي وكاتب سعودي تربّى داخل المؤسسة السعودية، ليعبر عن وجهة نظر مختلفة تجاه قضايا على قدر كبير من الحساسية. وفوق ذلك، أطل هذا الكاتب من على منبر إعلامي عالمي له أهميته وتأثيره، وهو صحيفة واشنطن بوست التي أخذت على عاتقها مهمة متابعة قضية مقتل جمال في لحظة صمتٍ مريبٍ، هيمنت على الإعلام السعودي الذي عمل فيه خاشقجي أكثر من ثلاثين عاما. ويعكس هذا التخلي والإنكار الإعلامي لزميل وصديق من جانب إعلاميين سعوديين كثيرين حالة الخوف التي يعيشونها بعد أن وضع بن سلمان يده على الإعلام السعودي. وكان سجن مسؤول شبكة إم بي سي، وليد الإبراهيم، أحد فصول تحويل وسائل الإعلام إلى تابع له، وتحت إدارة فريقه الخاص، لكن هذا لا يعفي الكتاب والصحافيين من موقف. ومن المعيب جدا أن لا نقرأ كلمة تضامن من صاحب قلم واحد ممن يحسبون أنفسهم على حرية الكلمة، وحتى لو كان خاشقجي في الموقع الآخر، في جانب الخصومة والعداوة، فإن الجريمة الفظيعة تستحق الاستنكار على الأقل.
قام بن سلمان خلال سنة من أزمة الخليج بتدمير كل الرصيد الذي صنعه الإعلام الخليجي في العقود الثلاثة. وقد كانت صحافة هذه المنطقة تتمتع بقدر معقول من المهنية وحرية التعبير، قبل أن يزجّها في معمعان معارك وحروب عبثية، لا سبب لها غير نزواته المجنونة وطموحاته الفارغة، فأطلق العنان للشتّامين وعديمي والمواهب، كي يتحكّموا بالإعلام، وأزاح أصحاب الرأي الحر، وطاردهم حتى الحكم بالإعدام على خاشقجي الذي كان يردّد على الدوام أنه صحافي رأي، وليس رجل معارضة سياسية، وهو لا يطمح إلى تغيير الحكم، بل الدفاع عن حرية التعبير.
الصحافة اليوم بحاجة أكثر من أي يوم مضى إلى الحماية. أرواح الصحافيين الذين يؤمنون بحرية الكلمة في خطر، طالما أن مسؤولا في قمة هرم الدولة السعودية يتّخذ قرارا بمطاردة صحافي، ويعطي الأوامر بقتله بسبب رأيه فقط. ومن شأن هذه الجريمة أن تترك أثرا سلبيا على صحافة الرأي في العالم العربي التي نحن في أمس الحاجة إليها، فهي بمثابة الرئة للمهنة، وكلما تراجعت مساحة الرأي تقدّم القمع والخوف، وضاقت فسحة الحرية. وما ينتظر وسائل الإعلام اليوم لا يسر أحدا من العاملين في هذه المهنة، ولا من جمهورها. وكل من يؤمن بحرية هذا الفضاء بات يخشى هؤلاء البلطجية.
كنا نظن أن قتل الصحافيين بسبب الرأي حكر على حكام سورية والعراق، وأن منطقة الخليج في منأىً عن هذه الأعمال الشنيعة، ولكن محمد بن سلمان جاء ليقلب الحسابات، ويخيب الآمال، ويضعنا أمام مستقبل أسود.
وعلى الرغم من أن خاشقجي لم يكن ينتقد من موقع المعارضة السعودية المعروفة، فإن محمد بن سلمان ضاق بهذا الرأي، ولم يعجبه أن يخرج إعلامي وكاتب سعودي تربّى داخل المؤسسة السعودية، ليعبر عن وجهة نظر مختلفة تجاه قضايا على قدر كبير من الحساسية. وفوق ذلك، أطل هذا الكاتب من على منبر إعلامي عالمي له أهميته وتأثيره، وهو صحيفة واشنطن بوست التي أخذت على عاتقها مهمة متابعة قضية مقتل جمال في لحظة صمتٍ مريبٍ، هيمنت على الإعلام السعودي الذي عمل فيه خاشقجي أكثر من ثلاثين عاما. ويعكس هذا التخلي والإنكار الإعلامي لزميل وصديق من جانب إعلاميين سعوديين كثيرين حالة الخوف التي يعيشونها بعد أن وضع بن سلمان يده على الإعلام السعودي. وكان سجن مسؤول شبكة إم بي سي، وليد الإبراهيم، أحد فصول تحويل وسائل الإعلام إلى تابع له، وتحت إدارة فريقه الخاص، لكن هذا لا يعفي الكتاب والصحافيين من موقف. ومن المعيب جدا أن لا نقرأ كلمة تضامن من صاحب قلم واحد ممن يحسبون أنفسهم على حرية الكلمة، وحتى لو كان خاشقجي في الموقع الآخر، في جانب الخصومة والعداوة، فإن الجريمة الفظيعة تستحق الاستنكار على الأقل.
قام بن سلمان خلال سنة من أزمة الخليج بتدمير كل الرصيد الذي صنعه الإعلام الخليجي في العقود الثلاثة. وقد كانت صحافة هذه المنطقة تتمتع بقدر معقول من المهنية وحرية التعبير، قبل أن يزجّها في معمعان معارك وحروب عبثية، لا سبب لها غير نزواته المجنونة وطموحاته الفارغة، فأطلق العنان للشتّامين وعديمي والمواهب، كي يتحكّموا بالإعلام، وأزاح أصحاب الرأي الحر، وطاردهم حتى الحكم بالإعدام على خاشقجي الذي كان يردّد على الدوام أنه صحافي رأي، وليس رجل معارضة سياسية، وهو لا يطمح إلى تغيير الحكم، بل الدفاع عن حرية التعبير.
الصحافة اليوم بحاجة أكثر من أي يوم مضى إلى الحماية. أرواح الصحافيين الذين يؤمنون بحرية الكلمة في خطر، طالما أن مسؤولا في قمة هرم الدولة السعودية يتّخذ قرارا بمطاردة صحافي، ويعطي الأوامر بقتله بسبب رأيه فقط. ومن شأن هذه الجريمة أن تترك أثرا سلبيا على صحافة الرأي في العالم العربي التي نحن في أمس الحاجة إليها، فهي بمثابة الرئة للمهنة، وكلما تراجعت مساحة الرأي تقدّم القمع والخوف، وضاقت فسحة الحرية. وما ينتظر وسائل الإعلام اليوم لا يسر أحدا من العاملين في هذه المهنة، ولا من جمهورها. وكل من يؤمن بحرية هذا الفضاء بات يخشى هؤلاء البلطجية.
كنا نظن أن قتل الصحافيين بسبب الرأي حكر على حكام سورية والعراق، وأن منطقة الخليج في منأىً عن هذه الأعمال الشنيعة، ولكن محمد بن سلمان جاء ليقلب الحسابات، ويخيب الآمال، ويضعنا أمام مستقبل أسود.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024