شرّ النظام السوري ما يُضحك
يمتلك النظام السوري فيضاً هائلاً من الانفصام عن الواقع، ولوزارة خارجيته حصة الأسد. قبل سنوات، بشرنا الراحل وليد المعلم أنه "سننسى أن هناك أوروبا على الخريطة وسنتجه شرقاً". مات المعلم ولا تزال أوروبا على الخريطة التي أراد شطب قارّة بأكملها منها كرمى لعيون رئيسه. الوزارة عينها في عهد خلفه، فيصل المقداد، تبدو وفيةً لهذا النهج. قبل أيام، أصدرت بياناً حمّلت فيه أميركا عواقب سياستها الإجرامية، واتهمتها بـ"نهب النفط والقمح السوري وتسخيره لخدمة خزائنها وإرهابييها على حساب تجويع الشعب السوري وإفقاره وحرمانه من ثرواته الوطنية"، قبل أن تطالبها "بالتعويض عن الأضرار الجسيمة والخسائر الفادحة التي ألحقها العدوان والاحتلال الأميركي بحق الشعب السوري". كما ذهبت باتجاه حثّ "جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن على الوقوف بقوة مع سورية لردع هذا الاستهتار الأميركي بالقانون الدولي وبحقوق الشعوب وثرواتها".
يُخيّل لمن يقرأ البيان، للوهلة الأولى، أنه صادر عن نظام حريص على شعبه لا نظام لا يشبع من القتل، وحول الشعب نفسه الذي يتحدّث عنه، بفعل إجرامه، إلى شعب مهجر ولاجئ ونازح بالملايين، وأن من بقوا في البلاد، حتى من أنصار النظام، فعلوا ذلك لانعدام الخيارات أمامهم، لا لسبب آخر. لكن المرء لا يحتاج وقتا كثيرا لتذكّر أن من كتب هذا البيان هو نفسه، على الأرجح، من خطّ بيان "رفض" ما خلصت إليه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لجهة وجود "أسباب معقولة للاعتقاد" بمسؤولية النظام عن استخدام غاز الكلورين على بلدة سراقب في عام 2018، والتحلّي بالوقاحة لوصف النتائج بالكاذبة، لأن النظام "من الأساس لم يستخدم أي غازات سامّة في بلدة سراقب أو أي مدينة أو قرية أخرى في سورية". مع العلم أن هذه النتائج لم تصدُر إلا بشقّ الأنفس، بعدما كانت حليفة النظام المخلصة، روسيا، قد بذلت كل ما في وسعها لإحباط أي محاولةٍ جدّية للتحقيق في جرائم النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك إحباط مساعي تمديد العمل بآلية تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة في 2015. ولا داعي للتذكير أيضاً بما فعلته أسلحة النظام المحرّمة بأهالي الغوطة في عام 2013. .. وخارجية النظام نفسها هي التي امتعضت، قبل نحو أسبوعين، من انعقاد مؤتمر بروكسل "للمرّة الخامسة من دون دعوة الحكومة السورية، الطرف المعني بشؤون الشعب السوري واحتياجاته والشريك الأساسي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي في العمل الإنساني في سورية".
يعيش هذا النظام، بمختلف مؤسساته وشخصياته، على قاعدة "إن لم تستح فافعل ما شئت واكذب بقدر ما ترغب". ولعل في ذلك التفسير المنطقي لما يقوم به هذا النظام منذ سنوات. يقتل الآلاف وينكر ذلك، يعذّب ويخفي الآلاف، ثم يتحدّث عن حقوق الإنسان، ويتساءل لماذا تفرض العقوبات، ولن يجد في الداخل من يذكّره أن كل ما يجري من تدهور وفقر وعوز وطوابير بسبب ممارساته خوفاً من بطشه. يدع الشعب يئن من وطأة الجوع، ويخرج بتصريحات عن معركة عملةٍ تُدار من الخارج لتدمير "الدولة"، وعن دور مصارف لبنان ومسؤولية السوريين الذين وضعوا أموالهم فيها عوضاً عن حفظها في مصارف سورية، ثم يُتبع ذلك باتهاماتٍ لوحشية الرأسمالية العالمية وغسل الأدمغة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفوق ذلك يُخرِج بعبع النيوليبرالية من قمقمه، قبل أن يتوّج ذلك كله بنصيحة وقف برامج الطبخ، كي لا يشاهد السوريون أكلاتٍ، ويتحسّروا لعجزهم لعدم الحصول عليها.