"شبح الريم" جريمة الفكر الظلامي

09 ديسمبر 2014

مقاومة الاستعمار والظلم تحتاج إلى عقلية تحررية (Getty)

+ الخط -

إقدام امرأة إماراتية في أبوظبي على قتل مدرسة أميركية، لمجرد لونها وشكلها الغربي، لا علاقة له بالسياسة، ولا يخضع لتبريرات رد الفعل على السياسات الأميركية الظالمة، بل هو جريمة، تعكس، ببشاعتها، تشويهاً خطيراً في الوعي، نتيجة انتشار ظاهرة التطرف والتعصب الأعمى باسم الدين.

إذا صحت الأنباء بأن السيدة القاتلة تأثرت بفيديوهات الإرهاب، وليست لها علاقة بتنظيم متشدد، فقد يكون ذلك أخطر بكثير من أن تكون أداة وعضواً في داعش، أو أية من أخوات هذا التنظيم، لأن فردية العمل، إذ تدل عن تسرب ذهنية تجريم ما يراه المتطرفون بشأن "الآخر"، وبالتالي، فإن قتله "حلال" باللغة المغلفة بالدين، أو" مبرر" أخلاقياً، أضحت جزءاً من ثقافة أوسع مما نعتقد.

تحمل التعليقات التي تبعت الجريمة، في عدة مواقع وفي ردود القراء على الخبر، في طياتها، قبولاً ضمنيا للجريمة من شرائح، قد لا تكون واسعة، لكنها موجودة، وتسوغ، بشكلٍ ما، هذا النوع من الأعمال. قد يكون قتل أميركي، أو أجنبي غربي أو غير غربي، أو مسيحي عربي، أو كردي أو يزيدي، او حتى عربي مسلم، يخضع لمنطق داعش، لأنها كلها جرائم مبررة ضد من تصفهم بالآخر.

استنكار بعضهم الضجة التي أثارتها الجريمة، في مجمع الريم التجاري في أبوظبي، حول الاهتمام بقتيلة أميركية، فيما لا يلاقي الضحية "المسلم" الاهتمام نفسه، مرفوض.  فالمسألة لا تتعلق بموقف الغرب منا، ولكن، بموقفنا الإنساني والأخلاقي من أنفسنا، ومجتمعنا، ومستقبل العالم العربي، وبرسالتنا للجيل القادم.

لا أعرف ما دار في ذهن القاتلة، وأتمنى أن أعرف، لكن، أرى هذه التأثيرات والعقلية الإقصائية، على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في مقالات منشورة، سواء في تأييد داعش، أو التيار المتنامي الذي يرى "نصر المسلمين وتفوقهم"، مشروطاً بإقامة "حكم إسلامي" على طريقة داعش، ينفي حقوق وحتى حياة كل من يرونه آخر كافراً أقل قيمة وأهمية، بل يتم تصنيفه عدواً وجودياً.

مرفوض أن تبرر مثل هذه الجرائم على أساس رد فعل على الجرائم الإسرائيلية والأميركية: هذه طريقة عدمية وإجرامية في التفكير، إذ إن مقاومة الاستعمار والظلم تحتاج إلى عقلية تحررية، لا متعصبة إجرامية، فالتحرر يعني الإيمان بالإنسانية، وليس نشر أفكار في طبيعتها سايكوباثية، تخلق جيلاً من القتلة، بدلا من جيل من المقاومين من أجل الحرية.

أن نصل إلى استنتاج مفاده بأن قتل أي غربي في بلادنا هدف مشروع باسم الدين، أو أية قضية عادلة، من فلسطين إلى العراق، أو باسم ضحايا الدرونز في اليمن، تسيء إلى النضال والمقاومة وإلى ضحايا الظلم والاحتلال والحروب الأميركية، فلا نخدع أنفسنا بأن هذا انتقام لهم، بل إن أي عمل مماثل جريمة قبيحة بدم بارد.

ما ذنب المدرسة الأميركية التي شعرت بالأمان في المجتمع العربي؟ أين مقولاتنا عن الكرم العربي وحماية الضيف؟ أما الإشارة إلى العنصرية في أميركا وأوروبا ضد العرب والمسلمين فمنطق مرفوض، هل يكون الحل ببث العنصرية في مجتمعاتنا؟ مواجهة العنصرية هو بالكفاح من أجل المساواة الإنسانية، وإلا أصبحنا حملة رسالة عنصرية إجرامية لا أكثر.

الإيمان بقضايا عادلة هو التصدي للظلم، وهو تحرري، فالمقاومة سواء في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي هناك، أو في فلسطين ضد الصهيونية، تتطلب فكراً تنويرياً، وليس ظلامياً، سواء باسم الدين أو القومية الشوفينية، وإلا ماذا سيميز النضال العادل من الحروب الاستعمارية والعنصرية. "شبح الريم" والمدرّسة الأميركية هما ضحايا الفكر الظلامي، فليست ثمة قضية هنا غير فداحة الجريمة.