سيد القمني ابن المحظوظة
هل يمكن قراءة سيد القمني بمعزلٍ عن تكفير خصومه له؟ في تقديري، يمكن. أستأذن القارئ في هامش نقدي، لا يحكُم على عقيدة القمني، والله، وحده، أعلم بها، ولا يحدّد مصيره الأخروي، والله وحده، أعلم به، لكنه هامش يشتبك مع "المكتوب" من إنتاجه، والمكتوب وحده، من دون المسموع والمرئي الذي تحكمه سياقاتٌ لا يمكننا استدعاؤها. ممكن، خصوصا لو طلبنا له الرحمة، بصدق، وسألنا الله الذي سبقت رحمتُه عدلَه، أن يرحمه ويعفو عنه، وهو الواجب و"الأصول" أمام هيبة الموت. يمكن، بصعوبة، التخلص من ظلال متطرّفي الإسلاميين في مناقشة القمني. لكن غير الممكن، إطلاقا، التخلص من ظلال القمني، نفسه، والتي لا تترك فرصة لقراءةٍ لا يتخللها الضحك و"الكركعة" وضرب الكفّ بالكفّ، فالقمني، رحمه الله، كان "حكّاء" مدهشا، صاحب خيال، وخفّة دم "مصرية" تستحق الإشارة إليها، ربما أكثر من "كل" ما كتب.
كان القمني ابن سياق "الصحوة الإسلامية"، وما أنتجته من "إسلامٍ غاضب"، كما أنه مجايلٌ للمشروعات الأيديولوجية الكبرى التي حاولت أن تجد مخرجا للأمة في تراثها، ومخزونها النفسي والحضاري، بتعبير حسن حنفي، فإذا بها تعيد قراءته، أو بالأحرى توجيهه، ليتناسب مع أيديولوجيات تقدّمية محدّدة سلفا. من هنا جاء القمني، لكنه لم ينته إلى ما انتهى إليه أصحاب المشروعات الحقيقية، فهم، على الرغم من القراءة الموجهة، التزموا منهجا، واستهدفوا قيمة، وأصابوا وأخطأوا، وأفادوا واستفادوا، وعلّمونا، بالقدر الذي يسمح لنا بنقدهم وتجاوزهم. أما القمني فقرّر أن يلعب اللعبة بكل ما أوتي من خيال، وكل ما يحتمل السياق الديني المأزوم، من شعبويةٍ، وبكل ما يسمح به السياق السياسي "المنحطّ" من "فهلوة" وانتهازية، ولعب بالبيضة والحجر.
ما الإسلام؟ الإسلام هو "الخطة الجهنمية" التي أعدّها عبد المطلب بن هاشم جد النبي، ليحسم الصراع بينه وبين أمية، ويوحّد العرب، ويحكمهم. هذه هي إجابة القمني (باختصار طبعا)، فهل يمكن إثبات ذلك؟ لا طبعا، لكن يمكننا أن نصف عبد المطلب بصاحب "الرؤية الثاقبة"، و"الوعي السياسي"، و"الحسّ القومي"، وأن نعبث بتواريخ موته، وموت خصومه، فنضع الأخير أولا، والأول أخيرا، مع توصيفاتٍ "تخض" لما نفعله، بوصفها إضاءات للمساحات المعتمة، وكشفاً غير مسبوق، وقراءة علمية ومنهجية، لا يمكن إنكارها، أو نقدها، ثم نمرّر ما نريد.
هيا بنا نلعب: جد النبي هو صاحب الرسالة الحقيقي، والدليل افتخاره بأولاده وأحفاده وقوله إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها مثل هؤلاء، ومحمد هو "المختار" من جدّه للتنفيذ، والقرآن كتبه أمية بن أبي الصلت، خصم محمد، بشخصه وعائلته، والدليل: بعض أبيات الشعر، المنسوبة لأمية، والتي تتشابه مع بعض أوصاف القرآن الجنة والنار، والتاريخ كله مزوّر، والقمني، وحده، كشف عن دموية هذا التاريخ وخسّته ونذالته وسواده، أما المصادر والمراجع فهي توافقه وتدعم قراءته، بل وتردّدها.
يعود الباحث "الشاطر" منصور أبو شافعي إلى المصادر، فيكتشف خطأ التواريخ، وتزوير الاستشهادات، ونسبة كلام لابن كثير قال عكسه تماما، ونسبة كلام للعقاد قال عكسه تماما، والاعتماد على أسطورة دجّال قرأ "كفّ عبد المطلب"، وبشّره بنبي من صلبه لإثبات خطة "تجهيز محمد" للنبوة، ناهيك عن شهادة أمية بن أبي الصلت بصدق محمد، وكونه على الحق، واستعداده بعد ذلك بسنوات لاتباعه، لولا العصبية القبلية، ونسبة أشعار له تتجاوز الأخذ عن القرآن إلى الدعوة إلى اتباع محمد، وكلها مكذوبة على أمية، كما أشار جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام". لكن لا بأس من علمنة الأسطوري، وأسطرة العلمي، واعتماد "قراءة الكفّ" مصدرا تاريخيا. هكذا يتحرّك القمني مع قارئه، وتتحرّك مع كتاباته وزارة الثقافة في عهد فاروق حسني فتساويه، زورا، بحسن حنفي وتمنحه جائزة الدولة التقديرية، لحسابات سياسية، ويتحرّك معه الإسلاميون، فيردون عليه، ويتوعدونه، فيتحول إلى مفكر وبطل، كما يتحول الآن عبد الله رشدي إلى "عالم" وإسلام بحيري إلى "تنويري" وعبد الفتاح السيسي إلى "طبيب فلاسفة".