09 نوفمبر 2024
سورية.. عقدة إعادة الإعمار
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
رمى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مفاجأة كبيرة، حين أعلن أن المملكة العربية السعودية سوف تتولى مهمة إعادة إعمار سورية. وكتب، في تغريدة نشرها على حسابه في "تويتر" يوم الإثنين الماضي: "وافقت المملكة العربية السعودية الآن على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سورية، بدلاً من الولايات المتحدة". واللافت أن الرياض التزمت الصمت، ولم يصدر عنها أي رد فعل، وكذلك الأمر بالنسبة للنظام السوري، وروسيا وإيران كدولتين تحوزان الثقل السياسي والعسكري في سورية، ولهما الدور الأساسي والكلمة الفصل في ما يخص القرارات ذات الصبغة الاستراتيجية.
وجاءت مفاجأة الرئيس الأميركي بعد أيام قليلة من قراره سحب القوات الأميركية من جبهات المواجهة مع جيوب داعش في الشمال والشرق السوريَين نحو العراق، تاركاً مصير المنطقة مفتوحاً على احتمالات متفجّرة، وإعادة خلط أوراق بين إيران وروسيا وتركيا كدول ضامنة وفق تفاهمات أستانة، ووسط تفاهم تركي - أميركي على دخول تركيا منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية، حليف الولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش".
يستدعي إعلان ترامب ثلاث ملاحظات. الأولى أن عدم إبداء النظام السوري رد فعل يمكن تفسيره في أنه ينتظر موقف روسيا التي صارت صاحبة الحل والربط في سورية، وبات العالم يتوجّه إليها، حين يبتغي شيئاً من سورية. وتتعلق الملاحظة الثانية بالتصرّف الأميركي الذي يشكل سابقة في العلاقات الدولية. ومن دون أدنى حرج، سمح ترامب لنفسه بأن يتفق مع السعودية على إعادة الإعمار في سورية، على الرغم من أن هذه القضية تشكل شأناً سيادياً سورياً. أما الملاحظة الثالثة فهي تقع في خانة التجاذب الايراني - السعودي. وفي ظل العلاقات السيئة بين الرياض وطهران، لا يمكن للسعودية أن تتحرّك في سورية إلا في حالة واحدة، وهي أنها تقدّم المال من دون أي مردود أو مقابل سياسي، وهذا أمر يبدو غير منطقي، خصوصا أن المبلغ المقدّر لإعادة الإعمار يصل إلى عدة مئات من المليارات.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن لا أحد يكترث برأي الشعب السوري. والغريب في الأمر أن ما بقي من هيئات تقدم نفسها أنها تمثل المعارضة، مثل الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات، لم يصدر عنها أي موقف، بسبب التجاذبات الدولية. ومهما يكن من أمر، لا أحد يمكنه أن يرفض عملية إعادة الإعمار، لكن المسألة يجب أن تكون قائمةً على أسس حتى لا يتم رهن البلد وأهله من جهة، ومن جهة ثانية تتحمل الأطراف التي ساهمت بالتدمير، مثل إيران وروسيا، مسؤولية أساسية، ويتوجب عليها أن تتحمل القسط الأساسي من عبء إعادة الإعمار. وهذه المهمة يمكن أن تنهض بها الأمم المتحدة وحدها، ولا بد أن توضع العملية تحت إشرافها، حفاظا على سيادة سورية، واحتراما لقرارها المستقل.
يجب أن لا تكون عملية إعادة إعمار سورية خاضعةً لقرار أميركي - سعودي، أو بمثابة منحة يقدمها طرف، أو عدة أطراف، وتكون نوعاً من المنّة على سورية، بل هي أقل ما يمكن أن يقوم به العالم، تكفيراً عن جزءٍ من تخاذله تجاه حماية شعب أعزل تركته أميركا وأوروبا فريسة نظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية، يجب أن يُحاكم بسببها أمام محكمة الجنايات الدولية.
وفي نهاية الأمر، لا يمكن أن يبقى أصحاب البلد بعيدين عن تقرير مستقبل وطنهم من جهة. ومن جهةٍ ثانية، يستحيل أن تتم عملية إعادة الإعمار بوجود النظام الحالي، وإذا وفت الدول الغربية بوعودها التي ربطت فيها إعادة الإعمار برحيل النظام، فسوف يشكل هذا مدخلاً مناسباً لعملية سياسية تفتح الباب لانتقال ديموقراطي، وعودة ملايين المهجّرين واللاجئين.
يستدعي إعلان ترامب ثلاث ملاحظات. الأولى أن عدم إبداء النظام السوري رد فعل يمكن تفسيره في أنه ينتظر موقف روسيا التي صارت صاحبة الحل والربط في سورية، وبات العالم يتوجّه إليها، حين يبتغي شيئاً من سورية. وتتعلق الملاحظة الثانية بالتصرّف الأميركي الذي يشكل سابقة في العلاقات الدولية. ومن دون أدنى حرج، سمح ترامب لنفسه بأن يتفق مع السعودية على إعادة الإعمار في سورية، على الرغم من أن هذه القضية تشكل شأناً سيادياً سورياً. أما الملاحظة الثالثة فهي تقع في خانة التجاذب الايراني - السعودي. وفي ظل العلاقات السيئة بين الرياض وطهران، لا يمكن للسعودية أن تتحرّك في سورية إلا في حالة واحدة، وهي أنها تقدّم المال من دون أي مردود أو مقابل سياسي، وهذا أمر يبدو غير منطقي، خصوصا أن المبلغ المقدّر لإعادة الإعمار يصل إلى عدة مئات من المليارات.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن لا أحد يكترث برأي الشعب السوري. والغريب في الأمر أن ما بقي من هيئات تقدم نفسها أنها تمثل المعارضة، مثل الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات، لم يصدر عنها أي موقف، بسبب التجاذبات الدولية. ومهما يكن من أمر، لا أحد يمكنه أن يرفض عملية إعادة الإعمار، لكن المسألة يجب أن تكون قائمةً على أسس حتى لا يتم رهن البلد وأهله من جهة، ومن جهة ثانية تتحمل الأطراف التي ساهمت بالتدمير، مثل إيران وروسيا، مسؤولية أساسية، ويتوجب عليها أن تتحمل القسط الأساسي من عبء إعادة الإعمار. وهذه المهمة يمكن أن تنهض بها الأمم المتحدة وحدها، ولا بد أن توضع العملية تحت إشرافها، حفاظا على سيادة سورية، واحتراما لقرارها المستقل.
يجب أن لا تكون عملية إعادة إعمار سورية خاضعةً لقرار أميركي - سعودي، أو بمثابة منحة يقدمها طرف، أو عدة أطراف، وتكون نوعاً من المنّة على سورية، بل هي أقل ما يمكن أن يقوم به العالم، تكفيراً عن جزءٍ من تخاذله تجاه حماية شعب أعزل تركته أميركا وأوروبا فريسة نظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية، يجب أن يُحاكم بسببها أمام محكمة الجنايات الدولية.
وفي نهاية الأمر، لا يمكن أن يبقى أصحاب البلد بعيدين عن تقرير مستقبل وطنهم من جهة. ومن جهةٍ ثانية، يستحيل أن تتم عملية إعادة الإعمار بوجود النظام الحالي، وإذا وفت الدول الغربية بوعودها التي ربطت فيها إعادة الإعمار برحيل النظام، فسوف يشكل هذا مدخلاً مناسباً لعملية سياسية تفتح الباب لانتقال ديموقراطي، وعودة ملايين المهجّرين واللاجئين.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024