سعد الهلالي والعودة إلى أوراق الكلينكس
حينما قال أستاذ علم الأديان المقارن في جامعة الأزهر، دكتور سعد الهلالي، بملء فمه، بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، إنّ الرئيس عبد الفتّاح السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، بعثهما الله كرسولين لحماية الدين، لم يكن ساعتها يخطر في باله بالطبع أنّ الرئيس السيسي سيعزل وزير داخليته بعد مدة قليلة، ويلازم الأخير البيت من غير عمل، فهل يوجد في الفقه، أيّ فقه، ما يشير إلى عزل رسول من رسل الله، والعياذ بالله، أو إنهاء خدمته، أو حتى تحويل هذا الرسول إلى مستشار من منزله للملوك والرؤساء؟ وهذا والعياذ بالله كفر بيّن، ما سمعنا عنه في أي ملّة أو دين من قبل، والله أعلم.
غير أنّ هذا الكلام، كلام سعد، مع التشديد على أنّ "ما هكذا تورد يا سعد الإبل" غالباً ما يرد في أوقات الفتن، أو في أوقات الحرج السياسي وتأثيم الخصوم وتحويل الأتباع إلى ملائكة. وغالباً ما يجد "عالم السلطة" بغيته لتحسين صورة الحاكم في تفريعات الفقه المنسية في الكتب، فيحييها ويهندم لها اللبس، وتتلقّفه القنوات الفضائية كي يضيّق على الخصوم، حتى يجعلها كخرم إبرة، ويبحبحها على الأتباع، حتى تصير كقناة السويس ساعة أن كانت ستعود على مصر بمائة مليار دولار سنوياً.
يلعب سعد الهلالي دور الفقيه الانتقائي ما بين مذاهب الفقه الأربعة، مقدّماً كل يوم باقةً غنّاء من التيسيرات لإجراءات الحاكم، سواء تعلق الإجراء بالاتفاق على مبادئ سد النهضة، بأنّ النبي حارب وصالح وعقد أيضاً الاتفاقيات، وبأنّ الأحباش أهل مودّة للرسول وبناته، ولا ضير من إرسال الهدايا إلى أحفادهم أيضاً، ذلك كله يمرّره سعد الهلالي بسهولة شديدة من تفريعات الفقه التي تمرّر كلّ شيء، حتى الزلط في البلعوم لو كان من حبيب مثل السيسي، وتوقف عسل النحل في الحلق لو كان من "إخوان الشياطين"، الذين يعكّرون صفو التنمية، إلى الدرجة التي يجعل سعد الهلالي للراقصة أجر شهيد حتى تعود إلى بيتها، طالما تسعى إلى الرزق، حتى وإن رقصت نكاية أيضاً في أهل الدين المتعارك معهم سياسياً في المقام الأول، فما حاجته لجهاد الراقصة بهزّة أو هزتين؟ كلها لزيادة الخلاف مع الخصوم وتوسعة أحباب الحاكم، حتى وإن كانت راقصة. وبالطبع، الجنة لن تُملأ عن بكرة أبيها بالأحناف والشافعية والحنابلة... إلخ، بل سيكون فيها أيضاً رابعة العدوية، وبائعة اللبن، وبائع الفول. وقد يلمح سعد الهلالي راقصة تحت شجرة أترجة، أو تفاح، أو برقوق، بجوار جنراله ومحمد إبراهيم بعدما صار رسولا، أو حبيب العادلي يصلّي بالمؤمنين تحت شجرة تفّاح بجوار السيسي، وعلى مقربة منهما عمرو خالد، فهل سيكون ساعتها محمد إبراهيم يتمتع في الجنان بمتع الرسل ومخصصاتهم الربانية، أو ستكون درجتهم أقل منزلة، على سبيل أنّ الرسول السيسي لم يثق فيه إلى نهاية حكمة، فهل سوف يجد لنا سعد الهلالي تسهيلةً ما، في الفقه الميّسر، تعيد لنا محمد إبراهيم إلى مخصصات الرسل نفسها، أم أنّ ذلك صعب عليه؟
أما غريبة الغرائب وفريدة الفرائد في توسيع الهلالي مسالك السيسي وممالكه، وتضييقه على الشعب، فتظهر جلية بحواره في 21 يناير/ كانون الثاني 2021، لموقع الموقف، والذي قال فيه عن ماء الحنفيّة: "هل تدري أنّ أربعةً من مذاهب الأئمة قالت لا يجوز الوضوء والاغتسال منه، لأنّ به مواد كيميائية وكلور أضيف إليه فغيّر من جنسه، لكنّ هناك مذهباً واحداً، وهو المذهب الحنفي الذي أقر استخدام هذا الماء، معتبراً أنّ ما قاموا بإضافته هو تأكيد لمعالجة الماء، ليزيدها تطهّراً لا يقلّ من طهارتها".
لاحظ أنّ الحوار في 21 يناير من هذا العام، ولاحظ توجّه سعد الهلالي وتوجيهه للناس أنّ ماء الصنبور، وفقاً لثلاثة مذاهب، مشكوكٌ في عدم طهارته، فماذا يبقى أمام الناس إلاّ البئر أو الطلمبة، وهذا هو لبّ المراد، إلا أنّ المصائب لا تأتي فوق رأس سعد فرادى، وتظهر دلائل المجاعة المائية واضحةً، فيضطر سعد الهلالي بعد ما ورد الماء عبطاً، أن يتجه إلى الوضوء، لا عن طريق ماء الحنفيّة الذي هو يشكّ في طهارته عند ثلاثة من الأئمة، ولا حتى بالتوجه إلى البئر الذي كان هو صلب مراده الفقهي سابقاً، ولا حتى إلى الحبيبة "الطلمبة"، بل إلى أوراق الكلينكس، وأخذ القليل من الماء به، ثم الوضوء، وهذا مربط الفرس، يا عم سعد.
وبما أنّ أي ماء تشوبه روائح الصنعة كالطلمبة، أو الكلور في الحنفية، أو أسلاك الكهرباء في البئر لرفع الماء، ألا يصحّ للدين أن يكون الماء صافياً زلالاً من غير أيّ صنعةٍ أو تدخل، بل من ماء الحبشة رأساً من غير قطرة كلور، وهذا بالطبع أسلم للدين عند ثلاثةٍ من الأئمة كما قلت؟