سعاد حسني والمخابرات في رواية
لمّا مات الوزير المصري الأسبق، صفوت الشريف، عن 88 عاما، قبل ثلاثة شهور، استُعيد في الصحافة عملُه في المخابرات المصرية، في تصويره فناناتٍ في أوضاعٍ جنسيةٍ لابتزازهن وتجنيدهن مخبراتٍ على شخصياتٍ في مواقع حسّاسة. وقد ذاع اسم سعاد حسني واحدةً من أشهرهن، وذهبت إشاعاتٌ إلى أن الشريف، بعد سنواتٍ على محاكمته وإزاحته من المخابرات، إبّان هزيمة 1967، عاد إلى "التنغيص" على الممثلة الشهيرة. وذاع أنه من دبّر، صيف العام 2001، "مقتلها"، في سقوطها من شرفة شقّةٍ كانت تقيم فيها في لندن. ... تزامنا مع تلك الاستعادات التي استرسلت في حكاية سعاد حسني وموتها عن 57 عاما، صدرت للعراقي نجم والي روايته الثامنة "سعاد والعسكر" (دار سطور، بغداد، 2021)، المركزيُّ فيها هي هذه الحكاية، وبعينٍ غير تسجيلية، فلم تتسمّ البطلة سعاد حسني، وإنما سعاد. وسارت الرواية معها منذ طفولتها في حي بولاق في القاهرة، وغنائها في السادسة أمام الملك فاروق، وطلاق والديها، وتنبؤ شاعر كبير، أصلع وودود، ويلبس نظاراتٍ طبية، اسمه سي خميس (لنتذكّر "اكتشاف" عبد الرحمن الخميسي سعاد حسني)، بأنها "حتكون حتّة كبيرة لمّا تكبر". وتمضي الرواية، ولا تغيب عن قارئها صورة سعاد حسني على غلافها، إلى مسارها في حياة الممثلة، سعاد، والتي أحبّت أميركيا اسمُه سيمون سورس، وتزوّجته، وصارت شهيرةً، ومن أغنياتها "يا واد يا خفيف"، ومن أفلامها "حب في الكرنك"، سيما بعد عملية تصويرها، شبه مخدّرة، في مضاجعةٍ مع من يسمّيه الضابط شريف "جاسوسا فرنسيا" ليهدّدها بالسجن أو الإعدام، إذا لم "تتعاون" ويكون تعاونها "فعّالا"، من أجل "الكشف عن الجواسيس وأعداء الوطن"، و"بالشكل الذي يفيدنا في معركتنا القومية".
يقيم نجم والي في ألمانيا، والسارد في الرواية كاتبٌ قادمٌ منها إلى القاهرة في 2014. يعثُر عليه فيها صديقه الأميركي سيمون سورس الذي يحدّثه عن سعاد. وفي الأثناء، يعطيه هذا دفاتر تضم قصتها (أو مأساتها؟). وبذلك، يتناوبان المساحة الأعرض من الحكي في هذا العمل، ومعهما سعاد نفسها، ما يجعل النصّ مفتوحا على أكثر من عين ولسان، ولتكون فنادق وعمارات ومقاه وحارات وميادين وشوارع في القاهرة أمكنةً وفضاءات يُعاينها الراوي الآتي لإلقاء محاضرة، و"طمعا بالعثور على قصصٍ فريدة عن الثورة"، غير أن قصّة سعاد التي يُنصت إليها تروح إلى زمن ثورة 1952، ثم يتهادى الحكي عن مزاجٍ في مصر تغيّر، وأحوالٍ تبدّلت. و"منذ ذلك الحين، المخابرات والجيش حليفان قويان، بقاء أحدهما هو بقاء للآخر، قوة أحدهما من قوة الآخر". ولعل مما منح الرواية، المثيرة في محكّياتها، إيقاعَها الشائق، أنها اكتفت بالإيحاء عن هذا الأمر، وانصرفت إلى تشريحٍ آخر للزمن المصري، منذ طفولة سعاد قبل 1952 إلى انتقالات الراوي مع صديقه سيمون من مقهى إلى آخر، ومن فندقٍ إلى آخر، ولتنتقل في أحاديثهما سعاد، وغالبا كما يتذكّر سيمون، من القاهرة إلى بغداد لتصوير فيلم "حرب القادسية" (أدّت سعاد حسني بطولة فيلم "القادسية"، إخراج صلاح أبو سيف، بإنتاج عراقي، 1981) وإلى لندن، حيث البرد والكآبة، ثم الحادث الغامض. وبين هذا كله، ثمّة "التعاون" إيّاه، وشعور سعاد بالقرف، وحبس الضابط شريف، ثم عودته أقوى، وصفعُها مرّة له. وثمّة مرض المسؤول الرفيع الضابط سامح (كأنه صلاح نصر؟) وموتُه. وثمّة واقعة مقتل العازف في حادث سير (هل هو مدبّر؟)، بعد اشتباكه مع الضابط شريف، ليكفّ عن ملاحقته سعاد (حكاية عمر خورشيد التي استُعيدت مع موت صفوت الشريف)، وثمّة الحب بين "المرأة الجميلة السمراء" وسيمون، تروي له "بحماس، فكانت عيناها السوداوان الكبيرتان تلتمعان، وهي تنظر إليه". وثمّة قبل هذا نيّتها الزواج من أحد أشهر مغنٍّ في البلاد (عبد الحليم حافظ؟)، لكن الضابط شريف يمنعها، ويُشاهد شريط ممارستها الجنس مع "الجاسوس"، ثم يغنّي "لماذا تكذبين؟".
تطابقت في "سعاد والعسكر" وقائع كثيرة مع ما هو معلوم عن سعاد حسني، غير أن وقائع أخرى فيها "أنقذتها" من التطابق التام، مثل أغنية المغنّي تلك بعد مشاهدته الشريط، ومختتم الرواية بالطلقات الست والثلاثين التي يقتل فيها سيمون سورس الضابط شريف، وقبل ذلك علاقة الحب بين سيمون هذا وسعاد. أمّا أن "جميع الحكام العرب مارسوا معها الجنس"، فهذا ليس من مباعدة النص عن حياة سعاد حسني، وإنما تزيّدٌ لا موقع له، كما نوم سعاد مع رئيس العراق، لتعلَم منه ماذا سيصنع بعد الحرب مع إيران، فيُخبرها .. هذه من هناتٍ غير هيّناتٍ في الرواية التي احتاجت إلى "إنقاذها" من أخطاء نحوية وإملائية فادحة وكثيرة. ومع ملاحظات أخرى، ظلت روايةً شائقةً ومثيرةً وحاذقة.