سرّ البغدادي

01 نوفمبر 2019
+ الخط -
رحل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي، وأخذ معه كمية كبيرة من الأسرار التي تتعلق بمسار التنظيم الإرهابي الذي وُلد من رحم تنظيم القاعدة، ومن ثم تشعب وتمدّد في اتجاهات عديدة، حتى صار بمثابة مظلةٍ أمنيةٍ واسعة. وقد تكون الولايات المتحدة عثرت على ملفات مهمةٍ في البيت الذي شهد مصرعه ليل الأحد الماضي في قرية باريشا السورية القريبة من الحدود التركية، ولكن لن يصل أحد إلى إجابةٍ على السؤال الذي لا يزال يشغل بال العالم، ويتعلق بالصعود والسقوط السريعيْن لما سمّي بدولة الخلافة في العراق والشام التي بسطت سلطتها على قرابة 40% من مساحة العراق و30% من مساحة سورية، وامتلكت من أسباب القوة ما جعلها تقوم بعمليات إرهابية على امتداد العالم، ذهب ضحيتها آلاف.
وقبل أن تقرّر الولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 شن معركة الموصل من أجل القضاء على "داعش"، كان العالم يعيش على وقع هذا الكابوس، ويستعد لمواجهة موجاتٍ من الإرهاب ذات كلفة عالية، وكانت تقديرات الأجهزة الأميركية والأوروبية تتحدّث عن مهلة عقدين لمحاربة التنظيم وهزيمته. وبدا أن تلك التقديرات متفائلة، نظرا لأنه في وقتٍ كان "داعش" يثير الرعب في عواصم محصنة أمنيا، مثل لندن وباريس وبروكسيل، لم تكن هناك استراتيجيات دولية وخطط لمواجهة هذا الوحش الفتاك. وحين بدأت الولايات المتحدة التحضيرات لمعركة الموصل لم يأخذها كثيرون على محمل الجد، بسبب استحكام "داعش" في العراق وسورية.
لم تكن هزيمة "داعش" في الموصل والرّقة سهلة، بل كانت عملية عسكرية صعبة وبالغة التعقيد، وكلفت أرواحا بشرية كثيرة، كما ألحقت دمارا هائلا بالمدينتين، وصل إلى نسبة الثلثين من العمران. وعلى الرغم من أن "داعش" تكبّد خسائر كبيرة في المكانين، وتم أسر عدة آلاف من مقاتليه، فإنه لا توجد رواية كاملة للمعركتين، وكل ما تم نشره لا يشكّل إلا النذر اليسير، ولا يقدّم صورة كاملة عن التنظيم الذي استطاع أن يبثّ الرعب في العالم. ومن أكثر القضايا غموضا هو مصير النسبة الكبيرة من مقاتلي "داعش" الذين تحصّنوا في الموصل والرّقة. وهناك أسئلة كثيرة مطروحة، وبقيت من دون إجابات، باعتبار أن أعداد أسرى التنظيم لدى السلطات العراقية وقوات سوريا الديموقراطية غير معروفة، وهناك تضاربٌ في الأرقام، فبعضهم يتحدّث عن مئات الأسرى، وهناك من يجزم بوجود آلاف.
ومن شأن التحقيق مع الأسرى تكوين روايةٍ عن الجهات التي اشتغلت داخل هذا التنظيم الذي يعد بيئةً خصبةً لعمل أجهزة المخابرات الدولية، ولكن السر الأكبر يظل عند البغدادي، بخصوص الجهات التي استغلت التنظيم، ولعبت به من أجل أغراضٍ محدّدة، أهمها حرف الثورة السورية عن مسارها. ولا يمكن، في أي حال، اعتبار الدور الذي لعبه "داعش" في سورية محض عمل نابع من أجندة خاصة لدى التنظيم، بقدر ما هو عمل تخريبي منظّم، جرى بإشراف أجهزة استخبارت مختصة، غير بعيدة عن الأجهزة الروسية والإيرانية والسورية. ويكشف تعامل النظام مع قيادات التنظيمات الأصولية وعناصرها عن منهجٍ محكمٍ لتوظيف هؤلاء للعمل وفق خطة المخابرات السورية. ويعود هذا العمل إلى فترة الاحتلال الأميركي للعراق، حيث عملت الأجهزة السورية على تجنيد الأصوليين لاستهداف الحضور العسكري الأميركي في العراق. ويتضح من خلال استراتيجية "داعش" أنه كان غير بعيد عن أساليب عمل مخابرات النظام السوري وإيران.
كان السوريون يأملون أن تنتهي المعركة مع هذا التنظيم على نحو مختلفٍ يسمح لهم بأن يحاكموه على أرضهم، ويقتصّوا منه على ما اقترفه من جرائم ضدهم، وعلى رأسها تخريب الثورة السلمية. ولذا كان مقتل زعيمه، أبو بكر البغدادي، على الأرض السورية عزاء لغالبية السوريين.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر