سد النهضة .. ما الخيارات المصرية السودانية؟
باحثة مصرية، مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ولها اهتمامات بدراسات الإسلام السياسي والحركات الاجتماعية
مثّل فشل مفاوضات كينشاسا (عاصمة الكونغو)، مصر والسودان مع إثيوبيا، مطلع شهر إبريل/ نيسان الحالي تحولًا خطيرًا في مسار التفاوض حول بناء سد النهضة الإثيوبي وملئه، فالسد الذي يعد من أكبر السدود لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا جاء في إطار خطة تنموية إثيوبية شاملة؛ كما أنه أحد الإنجازات التي يعمد إليها حزب الازدهار المؤسس من رئيس الوزراء الحالي، آبي أحمد، لكسب الانتخابات المقبلة في بلاده. ومن ثم يمكن تفهم أسباب تعنت أديس أبابا في قبول الشروط المصرية والسودانية في المفاوضات، فإثيوبيا طالما طالبت بسحب امتيازات الحق التاريخي لدول المنبع (مصر والسودان) المكتسبة بحكم اتفاقيات 1929 و1959. وسعت، في المقابل، إلى إبرام اتفاق إطاري للتعاون في حوض نهر النيل، وهو ما عرف باتفاق عنتيبي 2010، لتنظيم مسألة الانتفاع المنصف للموارد المائية. ولم يتم الاتفاق على جميع بنود الاتفاقية، فقد اعترضت مصر والسودان على المادة 14 الخاصة بالأمن المائي لدول الحوض، بسبب رفض أثيوبيا الصياغة المصرية السودانية الداعية إلى عدم التأثير السلبي على الحقوق والاستخدامات المائية لدول المصب. وبناء على ذلك، رفضت مصر والسودان التوقيع على الاتفاقية، كما رفضتا بناء إثيوبيا السد، إلا بعد تشكيل لجنة فنية مشتركة لدراسة تأثيراته على البلدين. وبالفعل، قدمت اللجنة تقريرًا. وبناء عليه، تم توقيع إعلان مبادئ (2015) في الخرطوم بين الدول الثلاث.
عمدت مصر في مفاوضاتها مع إثيوبيا، والتي مرت بمراحل مختلفة منذ 2011، إلى وضع اتفاق تفصيلي ملزم، فيما يخص الحد الأدنى من تدفقات نهر النيل
شكل إعلان المبادئ اعترافًا سودانيًا مصريًا بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة، إلا أن أوجه الخلاف بين مصر وإثيوبيا تعود إلى إطار ملء السد الذي تطالب مصر بأن يكون على مدار 12 – 21 عامًا، حتى لا يتأثر المخزون المائي المصري، بينما تصر إثيوبيا على أن يكون الملء على ست سنوات فقط. هذا وتعترض السودان على الآثار التشغيلية للسد؛ حيث يتوقع أن يؤثر السد على قاطني القرى على النيل الأزرق حول سد الروصيرص السوداني القريب من سد النهضة، فسيمنع السد الجديد جريان النيل الأزرق نحو شهرين، وذلك لكي تتمكّن إثيوبيا من تخزين المياه لملء السد في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الاحتياجات المائية لما يقرب من عشرين مليون سوداني. وقد استمرت إثيوبيا في ملء السد من دون مراعاة المخاوف المصرية والسودانية. ولذلك استندت مفاوضات كينشاسا إلى المطالبة بتدويل الأزمة، لضمان الالتزام الإثيوبي، من خلال تشكيل لجنة دولية رباعية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والاتحاد الأفريقي، وهو ما رفضته إثيوبيا بشكل قاطع.
وقد عمدت مصر في مفاوضاتها مع إثيوبيا، والتي مرت بمراحل مختلفة منذ 2011، إلى وضع اتفاق تفصيلي ملزم، فيما يخص الحد الأدنى من تدفقات نهر النيل، وذلك لمواجهة الطموحات الإثيوبية الرامية إلى بناء خمسة سدود أخرى. في المقابل، قامت إثيوبيا بالملء الأول للسد في يوليو/ تموز 2020، ويتوقع أن تقوم بالملء الثاني في أغسطس/ آب 2021، كما رفضت الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل. وقد دفع فشل المفاوضات أخيرا، واستعداد إثيوبيا للملء الثاني، مصر والسودان إلى التلويح باللجوء إلى خيارات أكثر راديكالية، تتمثل في مسارين: القانوني، من خلال دعوة مصر إلى انعقاد مجلس الأمن بشكل عاجل وفق الفصل السابع للنظر في النزاع والتدخل لوقف ملء السد. ويقتضي ذلك الخيار ضمان مصر موافقة المجلس، من دون استخدام أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض، وهو أمر يصعب ضمانه مع وجود تمويلات دولية لبناء السد.
قد يدفع التهديد بالخيار العسكري مجلس الأمن إلى الضغط لإحراز تقدم في المفاوضات لتفادي الصراعات الإقليمية
المسار العسكري، والمتمثل في التلويح باستخدام القوة العسكرية لوقف ملء السد، سواء من مصر منفردة أو بتعاون مصري سوداني. ولكن هذا التدخل يجب أن يتم ما بين شهر مايو/ أيار وأول يوليو/ تموز، كما يجب تفريغ سد الروصيرص في السودان تماما من الماء، لحماية البلد من أي تداعيات. وقد يدفع التهديد بالخيار العسكري مجلس الأمن إلى الضغط لإحراز تقدم في المفاوضات لتفادي الصراعات الإقليمية. ويمكن في هذا الإطار تفسير التعاون الاستخباراتي العسكري بين مصر وأوغندا، والذي أعُلن عنه في أول شهر إبريل/ نيسان الحالي، لضمان دعم إقليمي أفريقي للمطالب المصرية السودانية.
لم تخرج التهديدات المصرية السودانية عن حيز التهديد اللفظي، كما أن الإطار الزمني المتاح للقيام بعمل عسكري قبل الملء الثاني للسد ضيق، يعكس مدى التراخي المصري السوداني في التعامل مع الملف للحيلولة دون الوصول إلى هذه المرحلة. ومن ثم على البلدين اتخاذ إجراءات سريعة على المستويين، القانوني والعسكري، لردع المحاولات الإثيوبية. كما يجب تحقيق تفاهمات مع الدول الممولة والداعمة للسد، وفي مقدمتهم الصين وإسرائيل لضمان موقف حازم من مجلس الأمن.
باحثة مصرية، مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ولها اهتمامات بدراسات الإسلام السياسي والحركات الاجتماعية