سجينة في القصر الجمهوري

10 أكتوبر 2019

(فاتح المدرس)

+ الخط -
هي سيّدة النساء والرجال، امرأة ليست كالنساء في جمالها وكمالها وقدِّها واعتدالها. وليس بين الرجال مثلها في قوتها وشدتها وبأسها وشمسها إذا تحرّرت من الحديد. هي ليست من الجنِّ النارية، ولا من الإنس الترابية، ولا من الملائكة النورانية. هي من جنسٍ فوق الأجناس، ترفع دوماً فوق الرأس. 
هي ليست طل الملوحي التي مُدّت مدة حكمها إلى الأبد، بسبب رسالة إلى الرئيس الأميركي كما تقول التهمة، وانقضت مدتها ولا تزال أسيرة، ولا علا القرضاوي التي اتهمت بما اتهمت به لأنها ابنة القرضاوي. وسبب عدم خروج المرأتين أنَّ سيدتنا أسيرة، هي امرأة ليست كالنساء، قدراتها سحرية لكنها معطلة، يقال إنّها من الجن، والجن في الحكايات تحضّر بتعويذة لفظية أو بذخيرة مثل خاتم أو مصباح يحكّه المرء فتحضر مثل عاقصة للملك سيف بن ذي يزن، وتقول: شبيك لبيك أختك عاقصة بين يديك.
والمضطر في الحكاية إذا وقع في خطر أو مأزق أو محنة حكَّ ذخيرته، أو نطق بالتعويذة فتحضر الجنيّة بعد قعقعة من الجو. أما هي فليست من الجن، ولا من الإنس، تحضر من غير تلك الأفعال أو الأقوال، بل يقدّرها الخصوم فيتورّعون عن إكمال أعمالهم غير القانونية، احتراماً لها وتقديراً.
وهي تتعذّب كل يوم، وتهان وتُحتقر، بل يغتصبها الرئيس نفسه، ويكلّف عناصره من الحرس الجمهوري الصغار باغتصابها. هي من أجمل النساء. لم يرها أحدٌ منذ تولّى الرئيس الذي حبسها في القصر بدعوى صيانتها والحفاظ عليها من عيون الحسّاد والطامعين. ولم تظهر سوى مرة في أثناء تولي الرئيس السوري بشار الأسد عرش أبيه الجمهوري. وكنا ننتظر منها أن تنطق، وأن تصرخ، وأن تقول لا، لكنها سكتت، فكأنما قطعوا لسانها. كانت شاحبة، مسكينة، أسيرةً من غير أن نسمع صوت القيود في قدميها، وهي تجرّهما في مجلس الشعب، وحالها في مصر مثل حال سورية، ربما أقل سوءاً بقليل أو أكثر بقليل، وظهرت مرات عدة أكثر من ظهورها السوري في المشهد السياسي، لكنها منكرة الشكل، العينان عليهما كدماتٌ وجاحظتان من اللكمات، شكلها يشبه شكل الراقصة "نوجا" التي تؤدي دورها سوسن بدر في فيلم الفرح، بعد توبتها.
وزوجات الرؤساء العرب وملوكهم يغرنَ منها، ويحسدْنها بشدة، ويسعينَ في قتلها وكتم أنفاسها، فيحتلن على الشعب بالظهور الباذخ مرة، وبالصور بجانب الفقراء لسرقة الأضواء من الحسناء التي لا هي من الجن، ولا من الإنس، فنتعجب من نعالهن الذهبية، ومن أزيائهن، ومن مشيهن على السجاد الأحمر، لكنهن دوماً يذكّرنَنا بالأسيرة في قبو القصر الجمهوري، والتي لو كانت حرّة لما جرؤت واحدةٌ من هؤلاء على الظهور، بل ما ارتقت في المناصب، حتى صارت سيدة أولى، لكنها ليست سيدتنا التي نحب، هذه امرأة غيرها. لقد خدعونا، هل قتلوا سيدتنا واستبدلوها بأخرى. سيدتنا التي لا يذكرها أحد، ولم يُوثق وثاقها أحد، ولم يُعذّب عذابها أحد، ولو أنها حرّة لكان لنا شأن آخر، وسنبقى عبيداً ما دامت هذه السيدة التي لا تذكرها الجماعات النسوية اللاتي لا يأبهن سوى بالجسد وحريته.
أعلن الرئيس المصري الحالي أنه يعتزم عزل سيدة مصر في الحُسن والجمال والشرف في أثناء تولّيه، واستبدلها بسيدةٍ أخرى، علناً، وصفقت له الجماهير، مع أنها انتخبت ملكةً لجمال مصر من الشعب، فخضعت لعشرات عمليات التجميل المنكرة التي جعلت شكلها مثل شكل القرد، وأكثر من القرد ما مسخ الله، كما يقول المثل. وتقول تحليلاتٌ إنّ النظام المصري يحاول تحريف الأنظار عنها بأساليب ساقطة، مثل فستان رانيا، وإنَّ النظام السوري يرتدّ على آثار الرئيس المصري قصصاً، وإننا سنرى مخلوقاً ليس من الإنس ولا من الجن، يشبه المخلوق الفضائي "إي تي".
سيدتنا هي الدستور بعد عملية تحويل جنس على أيدي العسكر، وهي محبوسةٌ في قبو في القصر الجمهوري، تتعذّب، وتغتصب من أصغر عناصر الحرس الجمهوري كل يوم ألف مرة.
دلالات
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر