القانون الدولي: "هذا اللون عليك يجنّن"

18 يوليو 2024

(ضياء العزاوي)

+ الخط -

يقول العلماء إنّ الألوان الأساسية ثلاثة: الأحمر والأصفر والأخضر، وكنتُ أظنُّ أن أصل الألوان ثنائي مثل كل الأشياء، "ومنْ كُلِّ شيْءٍ خلقْنا زوجيْنِ لعلَّكُمْ تَذَكَّرُون"، وإن أبوي الألوان هما الأبيض والأسود، وإنَّ عنترة الألوان تزوّج من عبلاها، فأنجبا كل هذه الألوان، فاللون الذي ولد في الليل كان أدهم، وفي النهار أصهب، وأنَّ الأسود خلق من ضلع الأبيض السابع (أو العكس).

والألوان عند العرب غيرها عند الشعوب، فالألوان تبلغ أربعين في هذه اللغة، وخمسين في تلك، كأن يقول قائلهم: هذا أبيض "منيّل"، أو هذا أسود محمرّ، وهذا كرزيٌّ فاتح، وذاك بطّيخي، نسبة إلى الفواكه أو الورود.

أمّا الألوان في العربية فهي مجرّة ألوان، وأظنّها أغنى اللغات بالألوان، ولو قدّر لمختصين تنزيل الألوان من مقام الكلام إلى مقاعد المشاهدة والإبصار، لوجدوا أنفسهم في محنة، وقد أحصى عبد الحميد إبراهيم، في كتابه "قاموس الألوان عند العرب"، تسعة وثمانين وأربعمائة لونًا في العربية، اللون في العربية كوْن، والقاموس هو البحر.

وقد انبهرنا لجهلنا في شبابنا وغربتنا عن اللغة بعناوين شعرية مثل عنوان "أزرق لكنه أسود"، مع أنه شائعٌ في لغات العرب، فإذا قالوا فلان أحمر، عنوا بياض اللون، وجاء في بقرة بني إسرائيل: "صفراء فاقعٌ لونها"، قال: يعني سوداء شديدة السواد، والخضرة تعني السواد، وكان أحد أسماء أرض العراق أرض السواد لخضرتها وكثرة أشجارها. أما نعوت الأبيض، فكثيرة، فهو أبيض يقق، ولهق، وصرح، ولياح، وواصب، وحضي، وكهب، وقهد، ويوصف الأسود بالحالك، والسحكوك، والحلبوب... ومن أوصاف الأحمر أنه قانئ، وذريحي وبحراني، وقاتم، وناصع، ويانع، وناكع، ولسغد، وأسلغ، وأقشر، وعاتك، وغضب، وأكلف، وفقاعي...

نأخذ على سبيل المثال لوناً من قاموس الألوان، وهو أدم، ومنه اسم أبينا آدم. وأدم الشيء ظلمتُه، وأديم النهار بياضُه، وأدمه سمره، وقيل هو الأبيض الواضح، وهي في الناس السمرة الشديدة. قال الأصمعي: الأدمة من الإبل البيض، فإن خالطته حُمرة، فهو أصهب، فإن خالط الحُمرة صفاء، فهو مدمّى.

اللون عند العرب متاهة ودوخة. وأعجب من ألوان العربية ومجرّتها، اللون الأحمر في القانون الدولي، وقوانين الساسة المعاصرين، فقد اتفقوا على التعبير عن المحرّم في القانون بالقول: الأمر الفلاني: خطٌ أحمر، أي أنَّ الاقتراب منه يعني القتل، والعلم الأحمر يُغاظ به الثور في الحلبة عادة.

نذكر طرفاً من سيرة الأحمر الدجّال في القانون الدولي، إنَّ الثور أوباما، وهو من الرؤساء الأقوياء المعدودين في البيت الأبيض (ووصف الأحمر به أولى) غضب باعتباره رئيس أقوى دولة، وأن دولته أميركا هي التي وضعت قوانين العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهدّد الأسد، زاجراً، من استخدام السلاح الكيميائي، فهو خط أحمر.

حرّك الثور الغاضب أساطيله، ثم رأينا خطّ أوباما الأحمر يتحوّل إلى اللون البني، "العب في المية لعبك يعجبني، يا سمك يا بني". وقيل لنا في الأخبار إنَّ بوتين رئيس روسيا القيصرية الجديدة، وفنّان اللون الساحر، أحضر نظّارة وألبسها أوباما، وقال: انظُر إلى الخط يا حبيبي، هذا ليس أحمر، إنه بنيّ. وقد كبرت سنُّ أوباما، ودقَّ عظمه، وأمسى يعاني من العشا الليلي والعمى الأخلاقي، فاقتنع بالصفقة، وهي مصادرة السلاح من القاتل، فصودر السلاح، وأُعدم جزاء نكالاً، وأطلق سراح المجرم ليقتل بالأسلحة الأخرى المحللة دوليّاً، فهذا السلاح من اختصاص الكبار! ثورنا طلع بقرة.

يمكن ذكر خطّ أردوغان الأحمر، وكانت حلب خطّه الأحمر. وقد "ذهب مع الريح"، وعاد بشّار إلى الحضن العربي، لأنَّ الدم العربي لا يصير ماء، كما يقول المثل، ووجد أردوغان نفسه وحيداً، وها هو ذا يجتهد في القبول بالأسد، ويدعوه إلى زيارة تركيا، لكن بشّار واقع في حب طهران البعيدة مسافة القريبة مذهباً. ويمكن تذكّر خطّ عبد الفتاح السيسي الأحمر، عندما وقف مدجّجاً بنظارة سوداء، عاقداً يديه على بطنه في هيئة الصلاة كعادته، وقال: سرتْ خط أحمر، وكانت نبرته هادئة، كأنها همسات المساء، وقد علمنا أنّ التهديد يصحبه هدير وزئير في الصوت، فما باله يتغزّل، فكأنّ أحمره "بمبي" سعاد حسني.

... "أحمر عبر، مثل القمر، سحر كل البشر".

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."