زيارة الرئيس دونالد بايدن
لا تقلّ زيارة بايدن إلى المنطقة، بل قل زيارة الرئيس الأميركي الكيان الصهيوني، الذي يملك وحده تحديد موعدها وجدول أعمالها، وقرار أن تشمل المرور بالمملكة العربية السعودية، وعقد اجتماع مع دول حزام التطبيع العربي المفروض على فلسطين، والذي يشمل محور التطبيع.
يمكنك أن تقول أيضًا إنها زيارة لا تختلف كثيرًا عن زيارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، المنطقة، إذ لا فرق بين الزيارتين إلا في تقديم عملية حلب الأموال العربية على ضخ المزيد من الدعم السياسي لإسرائيل، ومن ثم البدء بالسعودية ومنها إلى القدس المحتلة، في حالة دونالد ترامب، فيما فضل بايدن أن يبدأ برنامجه بزيارة الكيان الصهيوني، ثم الانتقال إلى السعودية.
فرحة اليمين الصهيوني بالرئيس العجوز جو بايدن لا تقلّ عن الفرحة بسابقه دونالد ترامب، إن لم تكن تزيد عنها، إذ يصف رئيس حكومة الاحتلال، يئير ليبيد، الرئيس بايدن بأنه" أفضل صديق لإسرائيل في تاريخ السياسة الأميركية، حتى من دون الحاجة للتذكير بمقولته -بايدن- أنه لا حاجة لأن تكون يهودياً كي تكون صهيونيًا".
تصريحات بايدن عن الكيان الصهيوني، منذ كان شابًا، تثبت أنه بالفعل صهيوني مخلص من دون اعتناق اليهودية، فهو الذي وقف في مجلس الشيوخ، بعد عودته من زيارة إلى إسرائيل في منتصف عام 1973، قائلا إنه "لو لم توجد إسرائيل، لتعيَّن على الولايات المتحدة الأميركية إيجادها". وعلى مستوى الأفعال والأداء، يمكن القول إن هدايا بايدن للكيان الصهيوني، والمهرولين إليه من طوق الاستبداد العربي، أكثر وأهم مما قدّمه سلفه ترامب، وبالحد الأدنى يمكن اعتبار أن جو بايدن بقي وفيًا لسياسات دونالد ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط وملتزمًا بها، على الرغم من تصريحاته الصاخبة بعد انتصاره في سباق الانتخابات الأميركية، عن تبدّلات في مواقف واشنطن من أزمات المنطقة، وهي التصريحات التي هلل لها عديد السياسيين العرب، مبشّرين بأميركا جديدة مع الإنسان العربي وحقوقه، ضد الاستبداد وحكوماته.
قال ليبيد إن "طائرة الرئيس الأميركي ستقلع من القدس باتجاه السعودية، وسيحمل معه رسالة سلام وأمل. إسرائيل تمد يدها لكل دول المنطقة، وتدعوها لإقامة علاقات معها، وبناء علاقات لتغيير التاريخ من أجل أولادنا".
يقول الواقع على الأرض إن إدارة ترامب نقلت سفارتها إلى القدس المحتلة مدشّنة اعترافها بها عاصمة للاحتلال الصهيوني، كما أغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وها هي إدارة بايدن تمشي على خطى ترامب في هذا المسار بشكل كامل. وبحسب تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فإن بايدن، مثل ترامب، معترفٌ بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، فلم تقرّر إدارته إعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب، كما لم تفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ولم تعد فتح منظمة التحرير في واشنطن.
المسألة الأكثر وضوحًا في استمرار بايدن على نهج ترامب هي الموقف من قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حيث الانهيار الشامل لكل لاءات بايدن الصارمة ضد ولي العهد السعودي وحكومته، بحيث لم يحدُث أي تغيير سوى إطلاق اسم خاشقجي على الشارع الذي تقع به سفارة السعودية في واشنطن.
وبعد أن كان السؤال الأميركي/ الديمقراطي الكبير هو "أين جثة خاشقجي؟" تبدّل السؤال، واستعار الديمقراطيون بعد أن تولوا السلط سؤال إدارة ترامب "أين الصفقة؟"، وعلى نهجها فعل كثيرون من زعماء المنطقة والدائرين في أفلاكهم من نخب إعلامية وسياسية، بقيت سنوات تبثّ "أين الجثة" تلفزيونيًا وتغرّد به على "تويتر"، ثم دخلت في نوبة صمت مطبق، فرضته المصالح المباشرة وغير المباشرة.
لا يأتي بايدن إلى الشرق الأوسط حاملًا، فقط، أدوات ترامب كلها، بل كذلك يحمل وجهه وملامحه، إلى الحد الذي لا تجد معه تفاوتًا كبيرًا بين دونالد بايدن أو جو ترامب.